تعليمنا .. هل يصنع البطالة ؟

السؤال: لماذا الاستمرار في تخريج هذه الآلاف من التخصصات العامة، ثم يتخرج الشاب ويتسكع، ولا يجد وظيفة؟

الجواب : هذا السؤال يعكس قضيتين كبيرتين جدا، في حاجة ماسة إلى بلورتها وإيضاحها، الأولى: أن تحديد التخصصات لا يكون عن طريق الأكاديميين الذين يدرسون في الجامعات وهم بمنأى عن الدراسات الواقعية لسوق العمل، فمما نفتقده مركز مختص في دراسة الواقع الذي يتطور وينمو بطريقة غير متوقعة دائما؛ ليعطينا أرقاما، وليس أوهاما، أو تقديرا ارتجاليا. فعلى سبيل المثال حين أعلن في يوم ما عن أن وزارة التربية والتعليم ليست في حاجة إلى التخصصات الشرعية حاليا، بينما هي في حاجة إلى تخصص اللغة العربية، انصرف أكثر الطلاب عن هذه التخصصات لهذا التخصص، وما إن وصلت هذه الدفعة إلى التخرج حتى أصبحت الحاجة للتخصص الشرعي أكثر فوظف الشرعيون، ولم يوظف ـ حينها ـ ولا خريج واحد في اللغة العربية.

والأخرى: أن التعليم الجامعي (الحكومي) ليس من مهمته الأساس توفير الوظائف، وإنما مسؤوليته تنحصر في أن يوجد لكل خريج في الثانوية مقعدا للدراسة؛ بحسب قدرات الطالب وميولاته في وقت واحد، وأما التوظيف فتلك مسؤولية مقسومة بين الدولة، والقطاع الخاص، وأهم من ذلك، هو أن نؤهل الطالب ذاته نفسيا للقدرة على اختيار المجال الذي يناسبه، وصناعة المكان الذي يتوظف فيه، وزيادة تأهيل نفسه للوصول لأية وظيفة تناسبه؛ بحيث يكتشف طاقاته الكامنة، ويستثمر مواهبه؛ وينميها؛ ليصبح فيها علما يُطلب ويُخطب، وليس يبحث ويستجدي.

كيف نستطيع أن نقنع شبابنا بأن يزاحموا الأيدي العاملة (الوافدة) في مهامها غير المرغوبة اجتماعيا، والعمل شرف مهما كان، مادام مباحا؟

أجد ذلك عن أكثر من طريق؛ الأول: أن نثق في شبابنا، ونمنحهم الفرصة ليثبتوا ذواتهم، ونصبر على تجاربهم، والثاني: أن ندربهم على ما نريد؛ تدريبا يزيد من إمكاناتهم الإبداعية والعملية. والثالث: أن نعطيهم الرواتب المناسبة لمتطلبات الحياة المتزايدة؛ حتى   لا يتسربوا من العمل بعد قضاء وقت يسير منه، ونتهمهم بأنهم لا يتمتعون بحس المسؤولية، وأنهم خسارة على العمل، ونحن لا نقدم لهم إلا ما يعادل ثمن البنزين وقيمة فاتورة الهاتف؛ ولذلك فإن من حقهم حين يجدون فرصة تعطيهم أكثر ولو قليلا أن يهرعوا إليها.

أضيف هنا إلى أن عملية التوظيف ليست منفصلة عن العملية التربوية البيتية؛ التي أفرزت جيلا نجد كثيرا منه كل همه .. سيارة؛ ليفحط بها، وجوال؛ ليغازل به ويفاخر، وإذا كان أفضل من ذلك ارتفعت همته إلى زوجة جميلة، ومنزل أنيق، ووظيفة مريحة.. لكنه لا يفكر أبعد من ذلك .. كل تفكيره استهلاكي بحت، وليس إبداعيا ولا إنتاجيا!!

حين أطلقت أول رحلة للفضاء من الاتحاد السوفيتي البائد، أعلنت حالة استنفار خطيرة في الولايات المتحدة الأمريكية .. للإجابة عن سؤال خطير: لماذا سبقونا؟ فكانت الإجابة ليست تنهديات، ولا استنكارات، ولا سبابا وشتائم .. ولكن الإجابة هي .. اكتشفنا أن التعليم يحتاج إلى إعادة صياغة من جديد .. ومنذ أوائل المراحل التعليمية .. الطفل نعم الطفل .. مستقبل الأمة كله.

إذا صنعنا الطفل الذي يؤمن بدينه عقيدة وسلوكا، ويجيد مهارات التفكير، ويمتلك شخصية مستقلة، ويستهدف مستقبلا محددا في ذهنه .. هنا نكون قد بدأنا الخطوة الأولى في الطريق الصحيحة لحل كل أزماتنا.

قفشة..

الناجحون يقدمون على تنفيذ ما يفكرون فيه دون انتظار للتأكد من استعدادهم لذلك. على العكس مما يتوقعه معظم الناس، فإن الإحساس بعدم التأكد هو مفتاح النجاح في الحياة”.

تصور أن شبابنا فقهوا هذا الكلام الخطير، وقفزوا على الأوهام المعيقة لنجاحهم، سوف يصلون بسرعة إلى أولى درجات سلم النجاح، والبداية خير سبيل لبلوغ النهاية، بل هي الانطلاقة التي لن يعرف الناجح بعدها التوقف .. بإذن الله تعالى.



اترك تعليقاً