التماسك الوطني مسئولية الجميع

ما يدور في بعض أجزاء الوطن العربي الكبير من صراعات متعددة، جاء نتيجة بئيسة لما ينطوي عليه المجتمع العربي من تشرذم فكري واختلاف مذهبي، في حين يستغل المحتل هذه الثغرة المفتوحة بكل وقاحة، مستفيدا من قبول بعض الأطراف هذا التدخل؛ لتحقيق أهداف خاصة.

ونحن في المملكة العربية السعودية نختلف عن غيرنا في أي وطن آخر، وهكذا يجب أن نكون دائما، مهما تعددت الأطياف الفكرية، والمذاهب العقدية والفقهية.

فالوطن قد تأسس على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة منذ قرون؛ ويمثلان له المرجعية الكبرى التي لا تدخل للبشر فيها؛ سوى الفهم والاستنباط؛ فلا مجال للخلاف المفرق، وإنما المجال مفتوح للخلاف الواعي، الذي يستدعي الحوار والتنمية، والإبداع، واختيار الأمثل والأصوب، والأكثر ملاءمة للحال، والمرحلة الآنية.

وينعم هذا الوطن المقدس بالأمن الوارف في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية بيد حكام أخذوا على أنفسهم العهد والميثاق أن يجعلوها دستورا وحيدا للحياة، فلهم الولاية الكبرى، والطاعة التامة في المنشط والمكره، فـ((من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) رواه مسلم.

وتختص هذه البلاد بأنها منبع الرسالة، ومهوى قلوب المسلمين، ومحط أنظار العالم لما تحتويه من ثروة اقتصادية هائلة.

وهو ما يجعل كل من ينتسب إليها يتحمل مسؤولية جسيمة تجاه الحفاظ على أمنها واستقرارها، سواء على الجبهة الداخلية؛ بدحر الفكر المنحرف الضال، والتآزر والتماسك بكل ما أوتينا من عقل وبعد نظر وقوة في التفكير المستقبلي. أو على الجبهة الخارجية؛ بعدم إعطاء الفرصة لأعداء الأمة أن يشقوا صفوفنا بدوافع تبدو إنسانية ومحايدة، وهي في الواقع تحقق مآربهم، وتنفذ مخططاتهم، ونحن نعد قلب الأمة النابض ولسانها المنافح.

وفي الوقت نفسه، علينا أن نعمل على تقوية جبهتنا الداخلية، بإحداث تعديل جذري في نفوسنا وفي أخلاقنا وفي خططنا، على أساس مدروس نتقي به ـ بعون الله ـ أسباب الضعف من جهة، ونأخذ بأسباب القوة والعزة والتماسك الوطني المتين من جهة أخرى.

وأسباب القوة ليست في فوضى الأخلاق ولا في التحلل من الآداب، ولا في التشكيك في المثل والقيم، ولا في تقليد الشرق والغرب، ولا في استيراد المباديء من هنا وهناك، وإنما هي في الأصول الخالدة والمباديء الكريمة، التي جاء بها الإسلام.

وإني هنا لأذكر الأمة بمقومات القوة التي ذكرها علماؤها المخلصون، وهي:

أولا: القوة في الإيمان الذي يحرر الوجدان من كل عبودية لغير الله، ومنها عبودية الذنوب والرفاهية الزائدة.

ثانيا: القوة في الاستمساك بالحق والاعتصام به اعتصاما يندحر أمامه الباطل.

ثالثا: القوة في العلم المقوم لشخصية الإنسان، المبني على أسس التقوى، المثمر بالعمل؛ الشامل لكل آفاق الحياة بلا استثناء.

رابعا: القوة في بناء الاقتصاد باستثمار الأرض وثرواتها، وتنويع موارده.

خامسا: القوة في إقامة المجتمع على أساس العدل والتشريع السمح والعمل الجاد.

سادسا: القوة في معرفة الضعف النفسي في المجتمع، ومعالجته؛ حتى تأخذ النفس طريقها إلى السمو الروحي، واستشعار العزة والكرامة.

سابعا: القوة في تربية الأمة على حب الجهاد في سبيل الله بتصور علمي معتدل؛ ليقفل الباب أمام التصورات المنحرفة، وتتمكن من الذود عن حياض الدين والوطن والعرض والثروات.

ثامنا: القوة في الوحدة والاتحاد والاعتصام بحبل الله المتين، وعدم التفرق والتمزق، والحض على طاعة أولياء الأمور في المعروف، وتماسك المجتمع كله في السلم والأزمات.

تاسعا: القوة في إعداد الأمة ما تستطيع من قوة السلاح بمختلف أشكاله وصنوفه؛ حتى تستطيع مواجهة الأعداء بمثل ما يواجهونها به.

عاشرا: القوة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفق الضوابط الشرعية، والتدرج الوارد في الحديث (بيده ثم بلسانه ثم بقلبه) كل فرد حسب موقعه؛ بحيث    لا يفضي تغيير المنكر إلى منكر أكبر منه.

هذه أهم عناصر القوة في الإسلام، فهي ليست قوة مادية بحتة كما يتوهم الماديون،  ولكنها قوة العقيدة والخلق القويم، والعلم والمال على أساس التقوى ومخافة الله، وقوة التماسك الاجتماعي والتربية الإيمانية، وسيادة الأمة منوطة بتوفر هذه القوى جميعا.



اترك تعليقاً