الحوار الوطني .. إلى أين ؟

بعد مرحلة من رحلة الحوار الوطني القصيرة في السنوات القليلة الماضية، بدأ المهتمون بالشأن الوطني يتساءلون: إلى أين تتجه القافلة؟ وماذا تحقق من الأهداف؟ وماذا تبقى منها؟ وأين ذهبت التوصيات؟ وهل يمكن أن تحدث تطويرات جديدة في آلية العمل؛ وهل مركز الملك عبد العزيز أنشئ ليدوم أو أنشئ ليعالج مشكلة .. ثم ..؟

سعدت بالمشاركة مع كوكبة من أعلام المنطقة الشرقية في الحوار الوطني الذي تم في الأحساء العام المنصرم، وفي الظهران هذا العام، ولعلهما يعطياني فرصة لأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة التي أدعو مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلى جمع لجانه المختصة المؤقت منها والدائم لوضع استراتيجية المركز القادمة على أساس مثلها.

المنجزات لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني كبيرة بحجم هذا الوطن الكبير، ولعل من أبرز تلك المنجزات اجتماع الأطياف المتعددة على مائدة واحدة لحوار حر يتمتع بمساحة واسعة من التفكير المتتابع المتنامي المتوالد؛ يجمعهم حب هذا الوطن، والبحث في سبل تطويره.

ومن منجزاته الكبيرة جدا إشاعة ثقافة الحوار في المجتمع، بعد أن كان مرفوضا في المنزل؛ بحجة أن الأب له السلطة الوحيدة التي لا تنازع، ومرفوض في الحياة الزوجية؛ بحجة أن الرجل له القوامة على المرأة؛ والتي تفهم من قبل كثير من الرجال وبعض النساء فهما خاطئا. ومرفوض في الإدارة؛ بحجة أن المدير أوعى وأوسع إدراكا للأمور، وأكثر معرفة بالأحداث الجارية من حوله. ومتوار في الحياة العامة؛ لشيوع شح النفوس، وعدم التنازل، والأنانية، واحتقار الآخرين.

ولكننا اليوم إزاء مجتمع أصبح مدركا للواقع الذي يعيشه محليا وإقليميا وعالميا، وأنه لا بد من الانفتاح الداخلي، ثم الانفتاح العربي، ثم الانفتاح العالمي؛ مع الحفاظ على خصوصيتنا ومبادئنا. وكل ذلك يحتاج إلى حوار مفتوح، يتمتع بأخلاقيات الحوار الناجح.

إن إحساس المشارك في الحوار يتأرجح بين شعورين؛ الأول: أنه حُمِّلَ باختياره ليكون بين كوكبة من فرسان الرأي والعلم والوطنية، مسؤوليةَ الكلمة، وأمانةَ التبعة الثقيلة، وهنا يجد نفسه مدفوعا أن يقول ما يؤمن به؛ للمشاركة في مسيرة البناء والإصلاح التي يسهم فيها الحوار الوطني إسهاما فاعلا.

والشعور الثاني: تساؤل: هل لهذه المشاركة أثر في المستقبل الوطني؟

وأظن أنهما شعوران مشروعان، يدلان على روح إيجابية، تعزز ولا تكبت.

ولعل أسئلتي المتصدرة هذه المقالة، أكبر من مساحتها، ولكن لا بأس أن أثير الموضوع لعل آخرين يواصلون الكشف عن هذه الإشكالات الوطنية المهمة.

إلى أين تتجه القافلة؟ هل ما وصلت إليه قافلة الحوار هو الذي خطط له، واستهدف من فكرته؟ وكل الذي تبقى هو تكرار العمل بأشكال مختلفة.

وماذا تحقق من الأهداف؟ هل رصدت؟ هل أعلنت؟ (ليس في مطوية واحدة من إصدارات المركز ما يدل على ذلك).

وماذا تبقى منها؟ حتى يمكن أن تستهدف من خلال اللقاءات القادمة.

وأين ذهبت التوصيات؟ فعلى الرغم من التأكيد الدائم على أنها ترفع إلى الوزارات والجهات التي تخصها، وثقفتنا في ذلك، فإن من الأجمل أن يكشف النقاب عما رفع، وعما أخذ به، وعما لم يؤخذ به ولماذا؟

وهل يمكن أن تحدث تطويرات جديدة في آلية العمل؛حتى لا يخلق من التكرار؛ فإن الجلسات المعقودة لا يتاح فيها وقت لنقاش ذلك، بل يكتفى باستبانة أنيقة تكتب فيها الآراء وحسب.

وهل مركز الملك عبد العزيز أنشئ ليدوم أو أنشئ ليعالج مشكلة .. ثم ..؟

وهذا السؤال .. ما لا أستطيع الإجابة عنه .. ولكن إذا كانت الأولى فأظن أنه في حاجة إلى مزيد من الطاقات الفاعلة، مع أنه الآن ـ دون مجاملة ـ يتمتع بكفاءات عالية، ولكن .. حتى يؤدي مهمة أوسع وأكثر قربا من السعي في تنفيذ التوصيات، ومتابعتها؛ ليشعر الحاضرون بأنهم ـ حقا ـ يشاركون في صناعة القرار.

ودمت ـ بحب وأمان ـ يا وطني.



اترك تعليقاً