الحوار الأسري في مركز الحوار

منذ البدء .. انطلقت رحلة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني مستهدفة إعادة الحياة الاجتماعية والفكرية إلى منطق الحوار، بصفته الركيزة التي يمكن أن يبنى عليها مستقبل أكثر تعايشا، وسلما، وتقدما، وانفتاحا على الإبداع العالمي.

وبدأ المركز من النخبة؛ فحطم الحواجز بينهم، ومنحهم فرصة اللقاء، وطرح الرؤى القابلة للالتقاء، أو حتى الاختلاف، ففتح دورا كانت موصدة الأبواب، وشق طرقا كانت تتلوى في أرض وعرة المسالك!

طرح قضية الحوار بين القمم الفكرية بكل أطيافها؛ فكتبوا، وألفوا، وتحدثوا عبر وسائل الإعلام المختلفة، فأصبح الناس يتداولون هذه الكلمة بعد أن كانت تسكن بعيدا عن محط تفكيرهم بل ومؤسساتهم.

ولكن المركز الآن في طور جديد، فهو يؤمن بأن الحوار يبدأ من النشأة، فإذا تربى الطفل على الحوار في المنزل، ثم في المدرسة، فإن من الطبيعي أن يتطبع به، ويصبح أسلوبه في الحياة، ويرحل معه حيث سيكون، وما سيقود، أما إذا افتقده في هاتين المؤسستين، فمن الطبيعي أن تفتقده شخصيته طوال حياته، إلا إذا حاول استدراكه فيما بعد!! ومع ذلك فلن يكون كمن أسس بنيانه في مرحلة مبكرة في حياته.

ولذلك فقد عزم على أن يوجه سفينته إلى حيث يولد الإنسان، ويتربى، ويتعلم، في المنزل والمدرسة، فأعد حقيبة تدريبية متميزة، ودرب عليها مئات المدربين في كل مناطق المملكة ومحافظاتها، ثم أطلقهم في الجامعات والمدارس ليدربوا المدرسين والطلاب، ليلتقي الماء على أمر قد قدر.

ثم توجه إلى المنزل، حيث ينعقد أول لقاء للحوار الأسري غدا ـ إن شاء الله تعالى ـ في الرياض؛ ليناقش وجوده في الأسرة السعودية، ومعوقاته، كما يبحث سبل جعل الحوار ثقافة للأسرة السعودية، لتحقيق مزيد من التواصل الحميمي، ولمواجهة الانحرافات السلوكية والفكرية، ومناقشة الطرق والأساليب الفاعلة في هذا المجال.

إن المشكلة الكبرى التي قد يواجهها المركز هي: أن بعض الناس يأنف من التعلم، ويرى، أنه كبر ونضج واستوى على سوقه، وليس لأحد أن يعيده إلى كرسي التعلم مرة أخرى، ويكون أستاذا له!!

ثقافة التدريب التطويري هي التي تحتاج مزيدا من الوعي والانتشار، تلك التي جعلت الجميع ـ بلا استثناء ـ يجلس متجاورا مع الجميع ـ بلا استثناء ـ دون حواجز اجتماعية، أو اقتصادية أو مهنية أو مراحل دراسية، أخذت بأيدي الواعين فطارت بهم إلى قمم من حسن الأداء، والتطور السريع، والتقليل من الخسائر، والتي قد يكون من بينها الولد والزوجة والأرحام .. والأموال .. والوظيفة.

نعم كثير من الناس يظن أنه يحاور أولاده وزوجه، وهو الذي يتحدث وهم صامتون، يظن أنه يراعي نفسياتهم، وهو يستخدم تعبيرات وجهه، وإيماءاته بطريقة مؤذية جدا لهم، ويظل يشعر بأنه لم يؤذهم؛ لأنه لم يتلفظ عليهم ألفاظا مشينة؛ لأن مفهوم  الحوار لديه هو الألفاظ فقط، وحقيقة الحوار أن المحتوى لا يمثل سوى 7% فقط من التأثير والرسالة التي يراد إيصالها، بينما 55% للغة الجسد، و38% للأسلوب؛ كما تشير دراسة روسية شهيرة. فيظل يهمل هذين العنصرين، فيتواصل بالكلام وحده؛ حتى يمل أهله من حديثه، وبخاصة من يطيل التوجيه، ويكتفي بالحديث عن الأخطاء والسلبيات وحدها.

لذلك لا بد من العلم بكل مهارات التواصل من جميع جوانب التأثير، وليس جانبا واحدا فقط؛ فقد تعود أولادنا على نمط واحد من التواصل معهم، مما جعل أثره محدودا جدا عليهم.

وهنا يجدر بنا أن نتنبه إلى اختلاف الجنسين في إدراك وسائط الاتصال غير اللفظية؛ إذ تبين أن النساء عموما مدركات أكثر من الرجال، وقد أوجدت هذه الحقيقة ما يشار إليه عادة بأنه “حدس النساء”. إن للنساء قدرة فطرية على التقاط الإشارات غير الشفهية، وفك رموزها، فضلا عن تمتعهن بعين دقيقة بالنسبة إلى التفاصيل الصغيرة. هذا ما أكدته الدراسات.

وهو ما يدل على قيمة التعرف على الأسلوب الصحيح للحوار، كل ذلك يؤكد على ضرورة تعلم أساليب جديدة للحوار مع أولادنا وزوجاتنا كذلك؛ حتى نكسبهم ولا نفقدهم، وهو ما يعطي قيمة كبرى لمنطلقات المركز الجديدة.



اترك تعليقاً