الحياة كما تراها أنت

إن الحياة جميلة ، وهي تستحق ـ فعلا ـ أن تعاش تلك هي حقيقتها ، والذي ينظر إليها بتشاؤم هو الذي رسم التشاؤم أمام عينيه ، وصوره في مقلتيه ، ثم رآه ، وأخذ يسب العالم من حوله .

إن شر النفوس في الناس نفسا

تتوقى قبل الرحيل الرحيلا

وترى الشوك في الورود وتعمى

أن ترى الندى فوقه إكليلا

التفت ـ إذا سمحت ـ إلى الضوء الصادح فوق الأشجار كالأطيار ، المنتشر فوق كل شيء تعرض له من حولك ، ألا تشعر بحريته الجريئة ، حتى     لا تراه يستأذن أحدا ، إن الذي سوف يحرم منه هو الذي يهرب منه هروبا متعمدا ، فيسجن نفسه في مكان يغلق فيه الأبواب ، ويتعقب خصلات النور المتسللة بشوق من خلل الشقوق ، حتى لا ينبس الضوء أمامه ببنت شفة .

مرة أخرى تأمل في نفسك حينما يلفك نور الصباح المتوهج ، المترجل بعد انتظار طال عليه ؛  لا لطول المدة التي قضاها وراء أستار الليل ، ولكن لغلبة الشوق في فؤاده للانبلاج ، والانبثاق ..

ألا تجد لهذا الضوء في نفسك مماثلا .. طيرا حرا طال تلفته ، ونقر الباب حتى آلمه حديد القفص مهما كان مذهبا .. عطرا محبوسا في قارورة ، يكاد يتفجر وهو يرقب لحظة وصول حرارة أنملة تطلق عبيره من أسر الزجاج مهما كان كرستالي الجدران ، ساحر اللمعان ..

ألا ترى أنك أولى من هذا ومن ذاك ؟!

بلى وربي .. ولا قيود حقيقية عليك .. إن الذي يصنع القيود حول معصميه ، لا حق له أن يشتكي من أوجاعهما ، وقد قيل : (( إذا جعلت نفسك دودة على الأرض ، فلا تلم من يدوسك )) ، كل الذي عليك أن تكسر الأقفال النفسية ، وتهجر الإيحاءات السلبية التي عودت مسمعيك أن تصبها فيهما ليل نهار، ولا تسأل بعد ذلك عن الشعور الهائل الذي ينتظر معصميك .. سوف تشعر بالحرية الحقيقية التي كنت تبحث عنها لعقلك وقلبك وروحك وطاقاتك وقدراتك .. سوف ترى كيف أن الله تعالى حين كلفك بعمارة الأرض أنك فعلا جدير بهذا التكليف ، وأنك قادر ـ بمشيئته تعالى ـ أن تكون الإنسان الذي عاش على هذه الأرض ؛ ليحمل عبء أمانتها ، سوف تعلم الفرق بين الإنسان الذي رضي أن يبقى صفرا ولد وعاش ومات ولم يترك بعده ما يستحق أن يذكر به ، وبين رجل ولد فولدت معه طاقة خلاقة متوثبة ، وعاش فعاشت به أفكاره وإبداعاته ، ثم مات ليترك خلفه آثارا لا تمحى بإذن الله ، فكانت حياته إضافة للبشرية ، نعمت بها ، وارتقت .. بربك ألا تحب أنت أن تكون كذلك ؟

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه

ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل

يقول ابن الجوزي رحمه الله : (( فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه ، فلو كان يتصور للآدمي صعود السماوات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض)).

ولم أر في عيوب الناس عيبا

كنقص القادرين على التمام

نعم أنت قادر ـ بإذن الله ـ على تكون الواحد الذي يعطي الأصفار التي تقف عن يمينه قيمة ، وقد قالها نابليون : (( الرجال كالأرقام ، قيمتهم تتوقف عند مواقعهم )) .

ولكني لا أخدعك .. (( فالنجاح بحاجة إلى كفاح ونضال ، كفاح ضد الغرائز والأهواء والشهوات ، كفاح ضد الجهل والتخلف ، كفاح ضد كل التحديات ))([1])، التي من عادتها أن تعترض مثلك .. أعني الناهضين بقوة للإمساك بأضواء الصباح قبل أن تتفلت من بين أصابع الزمن الراكض .



([1]) الشخصية الناجحة للدكتور رشاد علي : 16 .



اترك تعليقاً