معظم المراسلين الصحفيين في بلادنا ليسوا مؤهلين أكاديميا لمهنة الصحافة، بل أخذوها بالمزاولة ، واكتسبوا خبرتهم فيها بالمراس ، ولذلك فإن كثيرا منهم يفتقدون أبجديات العمل الصحفي، ويخبطون فيه خبط عشواء ، وأعجب من المؤسسات الصحفية التي لم تفكر في زيادة تأهيلهم للعمل الذي تكلفهم به، ولم تقدم لهم حتى دورات متقدمة.
وجدير بالصحفي الذي يطمح إلى التألق في مجاله أن يبحث بنفسه عن الفرص الأكاديمية ذات التأصيل والتدريب والتجديد ؛ ليرسخ مهنيته اليومية اللاهثة بوقفات علمية تعدل من مساره ، وتزيد من رصانة نتاجه المتنوع، ولو أن يحصل على ( دبلوم في الصحافة ) من داخل المملكة أو خارجها ، ولو أن كل صحيفة ابتعثت ( داخليا أو خارجيا ) كل عام اثنين أو أكثر من مراسليها لتغير وجه التحرير الصحفي الذي نعاني من ركاكته وهزال مضامينه في صحافتنا المحلية خلال مدة وجيزة.
حين ينغمس الصحفي في عمل دؤوب لا يقف ولا لحظة في مسار واحد فقط هو الإنتاج ، فإنه منابعه تجف ، وحقوله تيبس ، ولا يبقى له سوى معجم جامد لا حس فيه يقلبه بين يدي آلاف الأخبار والاستطلاعات التي تفقد أقل متطلبات المهنية.
لو سألنا معظم صحفيينا عن اطلاعهم على الصحافة العالمية لوجدنا هذا التقصير الفضيع ربما يصل إلى قياديي الصحيفة وليس للمراسلين الميدانيين فقط ، مع أن من أساسات التطوير ضرورة الاطلاع المستمر على تجارب الآخرين ؛ لكونها من أبرز وسائل التفكير وتوليد الأفكار ، وهل هناك خطة مرسومة ، أو برنامج معد لهذا الاطلاع ثم استثماره لصالح الصحيفة .. لا بد من دلك ؟
من خلال تقليب صحفنا اليومية نجد أن بعض صحفيينا يفتقدون بعض أخلاقيات المهنة ، وهو يصارعون نفوسهم تحت ضغط حب البروز ، وشهوة التصدر ، وصناعة الشهرة ، فإذا بهم ينشرون الخبر الذي يشوه صورة بلادهم في عيون البلاد الأخرى، متغافلين أننا لا نتحدث مع أنفسنا فقط من خلال حوارنا الصحفي الداخلي ، بل إن الجريدة ترحل ما بين المشرق والمغرب ، فتقع في أيدي غابطين وحاسدين وأعداء ، فربما استخدمت كلمة أبناء البلد الذي يؤكدون ولاءهم لها وحبهم ، سلاحا ضدها ، وهم ـ بالتأكيد ـ لم يقصدوا ذلك ولم يريدوه .
وبعض صحفيينا يرى أن من حقه أن يتحدث عن شخصيات بعينها بأسمائها أو بصفاتها التي لا تخرج عنها إلى غيرها أبدا بل تعينها تعيينا مباشرا حديثا يسيء إلى سمعتها أو إلى مكانتها الاجتماعية ، كل ذلك بحجة البحث عن الحقيقة ، ولعمر الحق : هل كل حقيقة يجوز نشرها في صحيفة ؟ وهل يقول بذلك عاقل ؟ إنني أتذكر في هذا حديثا لرسولنا صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه من تتبع عورة امرئ مسلم تتبع الله عورته حتى يفضحه في عقر داره !!
إن الصحفي يجب أن يقدم عملا يتسم بالجودة والجدة والصراحة ، دون أن يسئ إلى أحد، أو يضر بأحد ، وعليه أن يعلم بأن الإثارة الصحفية ، والسبق الصحفي ، وصناعة الاسم الصحفي ، يجب ألا تكون على حساب أخلاقيات المهنة والمصلحة العامة، وإلا فإن سقوطه الصحفي سوف يكون مخيفا وفاجعا.
ليس الصحفي وصيا على المجتمع ، ولكنه عينه الأمينة ، التي تنقل محاسنه لتوثيقها للتاريخ وتأكيدها في نفوس المعاصرين ، وتدرس مثالبه بنية الإصلاح .. والإصلاح فقط، لا بغية التلميع الشخصي له أو لغيره وحسب .. والقاريء الحصيف يعرف جيدا الفارق الكبير بينهما.
ومما ينبغي تطويره لدى الصحفي الطموح الذي يرغب في استمرار عطائه ، اللغة والأسلوب الكتابي ، فإنني كثيرا ما أتذكر قول حافظ إبراهيم حينما أقرأ في جرائدنا:
أرى كل يوم في الجرائد مزلقا إلى القبر يدنيني بغير أنات
وإذا كنت قد أوجعت ظهور مراسلينا الصحفيين الذين يبذلون راحتهم ليل نهار من أجل أن يصل الخبر إلينا سهلا ميسورا ونقرأه ونحن نحتسي الشاي مسترخين ، فإني أطالب لهم من مؤسساتهم أن يقدروا لهم هذا الجهد ، والنصب الدائم النفسي والجسدي ، والأعباء المادية التي تلاحقهم وهم يتابعون الخبر بسيارتهم وهواتفهم المتجولة معهم في كل ميدان ، فإن كثيرا من المؤسسات الصحفية لا تعطي مراسليها إلا الفتات ، بينما يلتهم مجلس الإدارة الذي لا ينعقد إلا لماما خلال السنة كل الغنيمة !!
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.