العيادات القرآنية

نعتقد ـ نحن المسلمين ـ بأن الله جعل في القرآن الكريم خاصية الشفاء؛ مصداقا لقوله عز وجل : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (82) سورة الإسراء . والنصوص الحديثية ، والوقائع المروية عن الصحابة والسلف الصالح والمعاصرين الذين فتح عليهم في هذا الجانب تعطينا يقينا راسخا مدعما بالتجربة ؛ بانتفاع المريض بالقراءة عليه من كتاب الله  أو مما ورد من رقى نبيه صلى الله عليه وسلم؛ حتى ربما شفي تماما بإذن الله عز وجل فكأنما انفتل من عقال.

ومما رأيت عيانا من شفاء الأمراض بأنواعها المختلفة بسبب الرقية أو بماء زمزم المبارك من لدن المولى عز وجل ، ومما أرى من حاجة الناس الماسة إلى القراءة النافعة بسبب تكاثر الأمراض بأنواعها العضوية والنفسية ، ومللهم الشديد من الأدوية الكيميائية ، بل وتضررهم بها حتى في حال الانتفاع بها مما يسمى ( الآثار الجانبية ) ، فإني أجد من الضروري التفكير الفعلي في افتتاح ( عيادات قرآنية ) ، تكون بالمواصفات الإدارية التي تدار بها العيادات الطبية الحديثة.

وفي ذلك فوائد عديدة جدا :

أولها : الانتفاع بالطب الإلهي والنبوي ، وهو أعلى وأسمى وأجل من كل أنواع الطب البشري ، ولا سيما أن هناك من أنواع الإصابات النفسية خصوصا ، وبعض الإصابات العضوية لا ينجح معها الطب البشري ، وعجز عنها فعلا.

ثانيها : قطع الطريق على أهل الفساد والإفساد ممن تلبس بالرقية الشرعية ؛ لابتزاز الناس ، والتسلط على مقدراتهم ، وربما استغل ضعف المريض أو المريضة حال المرض وحاجتهما الماسة للاستشفاء فطلب أو فعل ما يخل بالمروءة والأدب ، وهؤلاء موجودون بالفعل وإن قلوا ، ولم يذهب الناس إليهم إلا بسبب عدم وجود البديل النقي ، المصرح له تحت مظلة مأمونة.

ثالثها : إغناء الناس عن الذهاب يمنة ويسرة خارج بلادنا ـ حماها الله ـ للسحرة والمشعوذين ؛ لطلب الاستشفاء من المس والسحر ونحو ذلك ، وهي ظاهرة يجب ألا نتجاهل وجودها الذي بدأ يجر على البلد ويلات اجتماعية لا ندري مداها في المستقبل.

رابعها : التخفيف من أعباء وزارة الصحة ، أو من الأعباء المالية المتزايدة على ولي الأسرة في مستوصفات القطاع الخاص .

ومما أجده ضروريا في هذه العيادات القرآنية أن تكون تحت إشراف وزارتي الأوقاف والشؤون الإسلامية ، والصحة ؛ لضمان سيرها على خط شديد الوضوح والاستقامة، وحتى لا يدخل فيها إلا من تأهل لذلك ، وسلم معتقده ، وصح سلوكه ، وأثبت نجاحه، فإن الرقية كالسيف لا تكفيه حدته ، وإنما يحتاج إلى كف ماهرة تضرب به. وقد قال عوام بلادي : (( القراية هي القراية .. لكن الشيخ غير الشيخ )) ، وهم يشيرون هنا بصراحة شفافة إلى شرط القاريء أن يكون ذا نية صالحة صادقة في اعتقاده أولا فيما يقرأ بأنه نافع بإذن الله ، وأن الشفاء بيد الله لا بيده ، وأن يكون همه نفع الناس لا ما يطلب من وراء قراءته من مال أو دنيا، كما يشترط اعتقاد المقروء عليه أنه سينتفع من القراءة.

وإذا فتح هذا الباب من مؤسسات الدولة فإن القطاع الخاص ربما يتسابق لهذا المشروع الناجح ، على أن تكون الرقابة على عياداته أشد ، وبشكل دائم. ولا شك أن أخذ الأجرة من المريض للراقي أمر جائز كما يفتي بذلك العلماء مستندين لصحيح السنة ؛ مما يجعل أمر الجدوى الاقتصادية من افتتاح هذه العيادات أمرا مضمونا بإذن الله؛ لاقتناع الناس بها بوصفهم مؤمنين بالله وبكلامه وبرسوله صلى الله عليه وسلم.

إن خاصية الشفاء في الرقية الشرعية قوة متاحة للمسلمين ، وكنز مخبوء لا يستخدم ـ حتى الآن ـ إلا بصفة غير رسمية ، وتتبع القراء وهو في بيوتهم ، أو في مساجدهم ، وحصرهم وتحجيم أعدادهم ليس حلا في نظري الشخصي، بل ربما أتاح المجال لمرضى النفوس أن يعملوا تحت الأرض ، وتنظيم هذا الأمر رسميا سوف يكون سبقا رائعا لبلادنا السباقة دوما فيما ينفع شعبها المؤمن بقوة الله وعظمته وقدرته المطلقة.



اترك تعليقاً