المرأة والقلق

من خلال رصد سريع لبرامج إذاعية وتلفازية ، يتاح للمتلقي فيها أن يتصل مباشرة بمن يرى أن لديه حلا لقضاياه ، ووضع حد لتوتر معين في نفسه ، فسنجد أن أكثر المتصلين من النساء ، ولذلك تفسيرات سطحية ؛ كون المرأة ـ قياسا للرجل ـ أكثر استقرارا في المنزل ، ومحدودية حركتها في مجتمعنا ، وبذلك قد لا تستطيع أن تصل إلى مواقع الاستشارة في الوقت الذي تحتاجه ، ولذلك فإن الهاتف يمثل القناة الرئيسة لتواصلها .

          وأما بعد محاولة التعمق واستشراف ما وراء الأكمة ، فتبدو مجموعة من الأسباب الجوهرية لهذه الظاهرة ، فمن يحاول النظر في نوعية استفسارات أو مشاركات معظم المتصلات فسيلحظ أن حالات القلق المختلفة هي التي تسيطر عليهن ، والقلق ـ كما يقول الدكتور حسان شمسي باشا ـ : (( حالة نفسية تتصف بالخوف والتوتر ، وكثرة التوقعات ، وينجم القلق عن الخوف من المستقبل ، أو توقع لشيء ما ، أو عن صراع في داخل النفس بين النوازع والقيود التي تحول دون تلك النوازع . والقلق أكثر الاضطرابات النفسية   شيوعا((  ، وإن نبرة الحزن طاغية على أصواتهن ، والمشكلات المعقدة تطفح على معظم ما يقدمن سؤالا أو مداخلة ... أقول ذلك غالبا وليس دائما بالطبع .

ففي البرامج الشرعية ، التي تستضيف أصحاب الفضيلة العلماء ، تجد أن ما يعرضنه هو مشكلاتهن مع أزواجهن ، أو مع أقربائهم المؤثرين على حياتهن ، وقضايا تتصل بالخوف من الطلاق ، وأخرى بقضايا النفقة سواء وهن في عصمة الزواج أو بعد الطلاق .

وفي البرامج النفسية ، تتضرم مشكلات الاكتئاب ، والخوف ، والأرق المزمن ، والفزع ، والتفكير الدائم ، والصلات العاطفية المشبوهة .

وفي البرامج التربوية ، يكاد يختفي صوت الرجل ، ولا تظهر إلا المرأة تتساءل بحرقة عن أولادها المتمردين على طاعتها ، أو معاناتها الدائمة في تربيتهم.

وفي برامج الحظ والأبراج ، التي يقدمها المنجمون الأفاكون ، الذين يدعون الغيب علنا ، لا تكاد تسمع إلا المرأة تسأل عن مستقبلها ، وماذا عسى تخبيء لها الأيام ؟

كل ذلك يشي بغياب الرجل ( أبا وزوجا ) عن ساحة الحدث الاجتماعي، وترك المرأة وحدها تدخل المعركة دون رافد منه بأي شكل من الأشكال ، بل دون التفات إلى دموعها أو آهاتها، وربما خبأت ذلك عنه عمدا ، وقامت بأدوار تمثيلية أمامه ؛ لتقنعه بأنها سعيدة معه ، وهي ربما تكرهه ، أو تخاف منه لأي سبب من الأسباب ، كل ذلك لتنال قسطا من الاستقرار الوهمي ، الذي يلقي بأي ظلال نفسية إيجابية عليها .

ولذلك فإن المرأة ـ وهي تعيش كل هذه الأزمات ـ قد تلتفت إلى وسائل غير شرعية ، أو أخلاقية أحيانا ، وخاصة في ظل ضعف رقابة الرجل ، والإفراط في انشغالاته .

ولعل أكثر رواد المشعوذين والسحرة هم من النساء ، وهي حيلة العاجز ، الذي غلقت أمامه الأبواب ، فلم يجد سوى هذا المسلك الذي يبدو سريعا وجذريا .

تلك قضية كبيرة جدا ، ولا يمكن علاجها في مقالة عابرة ، ولكن هذه خطوط عريضة للعلاج :

أولا : لا بد من عودة الرجل إلى حياة المرأة ( أما وأختا وزوجة وابنة ) ، والتفاعل مع نفسيتها بامتزاج يمحو كل آثار التخلي المرة ، وإشعارها بالحب ، وإعلان ذلك بين آونة وأخرى .

ثانيا : منحها جميع حقوقها ، والوفاء بكل ما لها ( خيركم خيركم لأهله ).

ثالثا : تربيتها على الإيمان بالله ، وتعميق جانب مراقبته عز وجل في قلبها ، والإيمان المطلق بالقضاء والقدر .

رابعا : مشاركتها كل واجباتها ، لإشعارها بالقرب النفسي .

خامسا : عدم إلقاء أعبائه ( الرجل ) عليها بحجة الانشغال بلقمة العيش لها ولأولادها.

وأخيرا .. على المرأة أن تنظر إلى الوجه الآخر المشرق للحياة .. أليست هي أجمل مخلوق في الأرض ؟!



اترك تعليقاً