الملا .. رئيسا

لم يكن الشيخ عبد الرحمن بن عثمان الملا نكرة فعرفه النادي الأدبي بالأحساء؛ حين رشح أول رئيس له، ولم يكن خاليا فملأ النادي وفاضه، ولم يكن خاملا فرفع النادي ذكره، ولم يكن خاوي الموهبة فستر النادي ضعفه، ولم يكن متطلعا لمنصب فأشبع النادي نهمته!

بل حظي النادي بعبد الرحمن بن عثمان الملا رئيسا فترة التأسيس، التي كانت في أمس الحاجة إلى مثله، معلنا بكل وضوح أنه لن يستمر طويلا في هذا المنصب المغري لتطلعات كثيرين.. ولكنه أراد أن يقدم خدمة لبلاده؛ متحملا أعباء جسيمة، وتنقلات دائمة، واتصالات كثيفة، وضغوطا ومواعيد متتابعة؛ ثقافية واجتماعية ورسمية؛ كلها؛  لأنه (المورد العذب كثير الورود).

النادي عرف بالملا، وليس العكس، هذا العلم الذي جمع تيجان العلم والأدب والحكمة على مفرق واحد، إذا تحدث أبهر، وإذا أنشد أبدع، وإذا أدار أحكم.

لقد أوقف مشروعاته البحثية من أجل أن يضع اللبنات الأولى لمؤسسة هفا لها الوسط الأدبي والثقافي في الأحساء وتطلع، وسعى الملا بكل ما أوتي من نشاط وخبرة، أن يسرع بخطواتها الأولى؛ ليتجاوز مرحلة التأسيس في زمن قياسي؛ مدعما هذا النشاط بعلاقات واسعة ورائعة مع الكبراء والوجهاء والأدباء داخل الأحساء وخارجها.

كانت المهمة صعبة، ولكن كانت الهمة أعلى منها.

اعتمدت إدارة الملا على أسس بدت ملامحها منذ الأيام الأولى للنادي واستمرت:

أولها: بث روح التفاؤل في مجلس الإدارة بناد متميز، سوف يكون له مستقبل باهر بإذن الله تعالى؛ إذا أحسنا الاستفادة من كل الفرص المتاحة لنا.

ثانيها: البحث عن فرص أخرى للنجاح؛ من خلال استثمار العلاقات الودية مع كثير من المؤسسات والأفراد الفاعلين، ومع قيادة الأندية في الوزارة.

ثالثها: العدالة في توزيع اللجان داخل النادي، وإتاحة المجال أمام كل من أراد أن يعمل بإخلاص.

رابعها: العمل على اجتذاب المثقفين والأدباء من جميع أطياف المجتمع وفئاته العمرية؛ بوسائل عديدة.

خامسها: استهداف بناء مقر للنادي منذ وقت مبكر؛ والسعي في الخطوات الأولى.

سادسها: الحرص على وضع لائحة نظامية؛ تكون مرجعا إداريا مرضيا للجميع؛ ريثما تصدر لائحة الأندية الأدبية العامة.

سابعها: فسح المجال أمام الحوار البناء، والاستماع الإيجابي لكل الأطراف، ثم الاحتكام إلى نظام التصويت في حال عدم الإجماع على أمر ما.

ثامنها: التضحية الشخصية؛ والتي بدت في أعلى مراتبها في عدد من المواقف التي لن تنساها ذاكرة الكرماء.

تاسعها: التعامل الراقي مع الجميع؛ واحترام وجهات النظر، وإن كان من الطبيعي جدا أن يميل إلى رأي ما، ويراجع رأيا آخر، أو يرفضه باحترام لصاحبه.

عاشرها: المتابعة الدقيقة لكل شؤون النادي؛ برامجه، ولجانه، وشؤونه المالية، والإعلامية؛ بحيث يكون على اطلاع ودعم لكل مشروعاته.

الشيخ عبد الرحمن الملا الوجه الثقافي والتاريخي للأحساء، وسفيرها الأكثر تنوعا والأثرى عطاء في المؤتمرات والمنتديات العربية والمحلية على حد سواء.

الشاعر الذي أصدر ديواني شعر، يقطران عذوبة ورقة، ويشتدان حكمة وبعد نظر.

المؤرخ الذي كتب لهجر والخليج مؤلفات نوعية، دبجها بقلم خبير، وبصيرة محلل، يتمتع باستقلاليته في الرأي والرؤية.

المثقف الذي بنى هرمه الثقافي مزيجا من الشريعة واللغة والتاريخ وفهم الواقع، وأسهم في تشكيل وجه الثقافة المحلية في بلادنا.

الإنسان الذي بذل جاهه العريض، وما يتمتع به من تقدير كبار المسؤولين له في تفريج كربات الناس وتيسير أمورهم.

الجبل الذي جرب الوعل أن ينطح صخرته.. فأوهى قرنه الوعل.

غيابك.. أيها القمر عن نادينا ليس أمرا سهلا على نفوسنا، ولكن من حق القمر أن يبقى حرا طليقا يرحل حيث يشاء.. لأنه ليس ملكا لأرض دون أرض، ولا لعين دون عين.. وليس من حق واحد أن يحجز أضواء الشمس عن الملايين.

إن الطاقة الإبداعية والعلمية التي يحملها مثل (الملا) لهي أكبر من أن تؤطر في (مؤسسة)، ومن الإضرار بها بقاؤها في (إطار إداري) لمدة طويلة، فلتهنأ المكتبة العربية بعودة الملا إليها، ولتنتظر.. فمثل قلمه الولود لا يعرف غير الإنجاب، ومثل مواليده لا تعرف التكرار، والقص واللصق، كما يفعل الملفقون، ولكنها الإضافة التي كانت تنتظرها ثغرة تتلظى، تنتظر من يملؤها..

وعزاء لكل مثقف وأديب فقد الملا .. رئيسا.. ولم يفقده عظيما.



اترك تعليقاً