إلى دار الكرامة أيها الحبيب

حاولت أن أفر من الكتابة.. حتى لا أكتب عنك.. قلبت موضوعات أخرى.. لأهرب إليها منك.. لم أستطع.. منذ أن سقط علي نبأك وأنا لا أكاد أحمل هامتي إلا إذا تجاهلت خبرك.. اشتركت في مهمة تثبيت الأهل من حولي وكنت من أكثرهم حاجة إلى ذلك.. استلهمت الآيات الكريمة .. واستنهضت الأحاديث الشريفة.. واستحييت النماذج العليا من الأنبياء والصالحين الذين فقدوا مهج قلوبهم.. ليقفوا إلى جانبي في تلك اللحظات الرهيبة.. حيث تعجز أعصاب الإنسان أن تحمل روحه المثقلة بالنبأ المفجع..

نعم لقد أمسكت بحبل التكذيب، ولكنه لم يجد شيئا.. أمسكت برجل الإسعاف .. أكيد؟ فكان الجواب .. للأسف .. أكيد..

هل هذا هو طعم الفقد الذي ذقته قبل عقدين ونصف حين فقدت نصفي بموت صديقي عبد الرحيم الهاشم؟! ربما..

حين تحس بأن فقد فتى لم يتجاوز ثماني عشرة سنة يوازي فقد عالِم!!

الأنموذج الذي تبحث عنه الأمهات، ويتمناه الآباء.. عبد العزيز بن فهد الباش..

كيف اكتملت لك الدنيا.. ثم تخلت عنك في لحظة واحدة؟؟!

كيف تبرجت لك الحياة بكل مباهجها المباحة، وخطبت ودك بكل أريحية.. ثم أسلمتك!!

القدر المكتوب، والحكمة الربانية التي تخفى عنا، والاختبار العظيم، الذي نال الأقربين والمحبين على حد سواء، حتى تدفقوا من كل مكان؛ لينظموا قصيدة الإخاء الإسلامي العظيم، لنقرأ في عيونهم رجالا ونساء وأطفالا: نحبه.. ونحبكم.. ولا حول لنا ولكم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. فلنحتسبه جميعا عن رب أخذه ليكرمه كما يردد ويرجو والده الصابر وأمه المصابرة..

ترى هل كنت في شوق إلى الجنة فقفزت إليها من سيارتك مباشرة .. دون أن تترك للطب فرصة أن يتدخل ولو لحظة؟!

ترى هل ضاقت الدنيا بما رحبت عن مثلك أيها الشاب العظيم..؟!

عبد العزيز الأنموذج في تربيته.. فهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله تعالى، وما شهدنا إلا بما علمنا، فأنت وحيد شقيقتي، وجار منزلي، وصديق ابني مهند.. الذي اختلط عنده الحزن بالفرح.. أن كان معك وإلى جوارك حتى آخر لحظة في حياتك.. حياتك المفتونة بكل ما يرقى به الإنسان في مثالية نادرة..

كيف أدرت مرحلتك العمرية الحرجة بكل هذا النجاح؟

لم تعرف الترتيب الثاني في حياتك.. فالأول لك .. أنى درست.. بل لا يكاد معدلك أن يتخلى عن درجة واحدة..!!

صحبت كتاب الله تعالى حتى أصبحت فارس حلقتك في الجامع.. وكنت على موعد مع ختم الكتاب العظيم خلال الصيف القادم، رافضا كل العروض الترفيهية والتعليمية الأخرى.. فلعلك ـ بذلك ـ قد نلت ـ بنيتك ـ أمنيتك وأمنية والديك.

وقدر لك منذ منتصف رمضان المنصرم أن تكون مؤذن مسجد جدك سعود الذي هام بك، وامتلأ إعجابا بشخصيتك، فحزت أجر التبكير للصلاة وانتظارها، وأجر الأذان محتسبا؛ فلعلك من أطول الناس أعناقا يوم القيامة، وأجر الإمامة أحيانا، وأجر مراجعة القرآن الكريم، وأجر خدمة بيت الله تعالى، وأجر البر بجدك.

وشهد لك أصدقاؤك بأنك كنت بعيدا عن الغيبة، كارها للنظر المحرم، بل كنت المحبوب بينهم، المصلح ذات بينهم، وهي مما لا يطيق كثيرون!!

ولم تكن سوى الولد البار بحبيبيه، اللذين كانا يراقبان كل لحظة من لحظات حياتك، ويرسمان كل خطوة من خطوات مستقبلك، ويرجوان أن تكون بعشرة من البنين .. ولذلك .. حين عظم البلاء .. كان لا بد من عظمة الصبر .. وقد كان .. فهنيئا لأختي ولزوجها هذا الصبر والرضا بما قسم الرب جل وعلا، وأسأل الله تعالى أن يعوضهما خيرا مما أخذ منهما، وأن يلحقهما به في عليين بعد طول عمر وحسن عمل.



اترك تعليقاً