انشر .. تأثم

كغيرها بل أكثر من غيرها وُظِّفت رسائل الجوال لأهداف دعائية أو تثقيفية، وكان من بين أكثر ما يثير الجدل تلك الرسائل التي تُختم بعبارة: انشر تُؤجر، وهي في كثير من الأحيان يُرجى أن تكون جالبة للأجر والثواب من الله تعالى، حين تنقل علما نافعا، دلالة على خير أو مصلحة، أو دعوة إلى محاضرة قيمة، أو مثل ذلك. ولكنها في أحيان أخرى تكون وسيلة لبث الجهل بإرسال أحاديث باطلة، وأخبار مزورة، والترويج للفتنة والطعن في الهيئات والأشخاص، والغريب أن تجد لها من يسعى في ترويجها، وبثها، وأحيانا احتساب الأجر فيها!!

حين نُشِرَت صورة إرشيفية مثيرة لا علاقة لها بالعمل الصحفي، تطوَّع أحدهم بدافع النصيحة أو…، وصاغ منها رسالة قصيرة، مستوحاة من خلفية اندفاعية حساسة حول الموضوع، رافضا خلفيته عمن نُقل عنه الحديث، لا يلوم فيها من نشرها، ولكن ينال فيها من المتحدث والجهة التي يديرها!! وهو يعلم بأن المتحدث الضيف لا علاقة له بالإخراج الصحفي واختيار الصور بالطبع، وراح يبثها ملتمسا الأجر ممن يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [سورة الحجرات]. ويزيد الأمر سوءا حين يتخلف هو عن النصيحة تماما، ولا يُرى في المشهد، وينزوي هناك بين ركام أمثاله الذين غصَّت بهم أودية التاريخ، ويتطوع بتسجيل رقم الهاتف للذي يستحق التشهير والفضيحة على خطيئة لم يرتكبها!!

والأسوأ من ذلك أن يختار بعض الكلمات من الحديث المنشور كما تشتهي نفسيته المتوترة، ثم يقطعه؛ ليزيد من إثارة المرسل إليهم، الذين اختارهم بعناية فائقة من الصف الشرعي الأول؛ ليقوموا بالنصح والتوجيه للمتحدث الذي لم يعلم بكل ما حدث، إلا عن طريق رسائل ومحادثات العلماء المتثبتين، والدعاة المحبين، الذين كذبوا الخبر قبل أن يتصلوا؛ من حسن ظنهم بأخيهم، وذكروه بأن طريق الإصلاح مليئة بالأشواك، والصبر هو الذي يخضدها.

القلوب الصافية هي التي تُشع بالحب والتعاطف قبل أن تقدم هدايا النصح في أغلفة جميلة براقة تجعل المنصوح يتقبلها بكل رحابة صدر، إنها تهدف إلى مصلحة المنصوح وليس إلى تعريته، إلى تغيير حاله نحو الأفضل، وليس إلى تحطيمه، إنها تحزن حين ترى الخطأ ممن لا يتوقع منه هذا الخطأ، وتعدُّ ما حدث منه مجرد غبار أصابه، وتسعى إلى صقله؛ ليعود نقيا طاهرا من جديد.

أما القلوب المريضة فهي التي تحوك فيها أمراض الحسد والحقد، إنها لا تجيد غير الكره، ولم تتذوق طعم الحب، ولا تبحث إلا عن الزلل، بل إنها تتوهم الزلل، ثم تكبره وتضخمه، وباسم النصيحة تقوم بإذاعته وإشاعته، {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}.

ليست هذه الحادثة هي الأولى من نوعها، بل تكررت مع آخرين، وهبوا حياتهم لخدمة دينهم ووطنهم ومجتمعهم، فربما زلوا زلة، أو قاموا بعمل يتسع له صدر الخلاف، فأقام المخالفون لهم مَصلبا على واجهات المواقع والمنتديات، وظل الفارغون من كل ما ينفعهم، يأكلون لحومهم، ويمتصون دماءهم، ويتفكهون بأعراضهم.

ولو وقع خطأ جسيم، وأمر عام يتوقع تأثيره السلبي على الآخرين، واندلعت في النفس حرارة الإيمان بالحق عز وجل، ووجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلذلك أحكامه الشرعية التي لا يجوز تجاوزها، وإذا كان لنا حق القول، فللآخرين حق العرض والكرامة.

وإذا كان للشبكة العالمية جرائم بات يحاسب عليها ويعاقب، فقد آن الأوان أن تُتعقب رسائل الجوال المغرضة، ويحاسب عليها من يٌشعل فتيلها، وأظن أن التقنيات الحديثة كفيلة ـ وبمنتهى السهولة ـ للوصول إلى من أرسلها أولا.

هل يؤجر من ينشر رسالة فيها تهمة صريحة لشخص بعينه وهاتفه دون تثبت، أم يأثم؟ أترك الفتوى لأهل الفتوى، من علمائنا الأفاضل، جزاهم الله خير ما يجزي الربانيين العاملين.



اترك تعليقاً