إنها بلادي أيها العالم

كل بلاد غالية في نفوس أهلها، ولكن بلادي غالية في نفوس كل الموحدين من البشر، في كل شبر في العالم، بل هي المقدمة عند خالق البشر، والمقدسة عند ملائكته ورسله، وإذا تحدث الناس عن بلادهم تحدثوا وحدهم، وإذا تحدثت عن بلادي، تحدث قبلي الوحيان، وتحدثت معي الأرض والسماوات.

أحبك .. يا بلادي .. لا لأنك مسقط رأسي، وموئل نفسي، ولا لأني درجت على ثراك، وتغذيت من دماك .. فحسب، بل لأنك ـ أيضا ـ الأرض التي اتصلت بالسماء، وحظيت بسيد الأنبياء، وهبط فيها الروح الأمين، بالكتاب المبين؛ فكان إنقاذ الإنسان، من الخضوع للأوثان .. كل الأوثان بلا تحديد .. ليحتفظ ببشريته التي فطر عليها، وكرامته التي يسمو بها، وعبوديته التي يتحقق بها وجوده الفاعل في هذا الكون.

بلادي ليست ترابا ورمالا وبحارا .. فكل بلاد الدنيا تموج بكل ذلك، فما نالت بذلك عزا، ولا بلغت به شرفا، يوازي شرف بلادي.

بلادي أقرب نقطة في الأرض إلى أقرب نقطة في السماء، فيها يمين الله تزدحم عليها الشفاه المؤمنة، وتختلط فوقها الأنفاس الطاهرة، وتطوف حول كعبتها القلوب المؤمنة.

بلادي قبلة شامخة، تتجه إليها الرؤوس الساجدة لرب الكون في كل لحظة من ليل أو نهار، وفي كل سجدة تفيض المشاعر، وتنمو الأمنيات بيوم اللقاء .. في حرم الله، حيث تغتسل النفوس من أدرانها، وتطهر الأرواح مما ألم بها، وتعود جميعا إلى رضا بارئها؛ فلربما حظيت بمأمولها فسعدت سعادة لا توصف، وربما انطفأت حياتها وبقيت الأمنية متوهجة .. متعلقة بأهداب الأولاد والأحفاد!!

بلادي شموخ في دنيا الذل، وأمان في دنيا الخوف، ورحمة في دنيا القسوة، وجمال عذب في دنيا الجمال المزيف.

بلادي تسبيحة خضراء في دنيا الجفاف الإيماني، ونوارة بيضاء في محرقة الشقاء الإنساني، ويد حانية تمسح جراح المتعبين، وتفرج كربات المستضعفين، وترد البسمة للمقهورين، وتقف مع الصديق وقت الضيق إذا تبرأ الأقارب والأباعد.

بلادي لحظة السكون في الصخب، وهدأة القلب بعد التعب، وضحكات الأطفال بين اللُّعب.

بلادي .. صمام أمانها شريعة الله التي تجرى أحكامها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يرسخه حُكَّامُها، ويقوم به علماؤها ودعاتها، والتفافة الشعب حول قيادته .. ما أعظم ـ بالحب ـ إحكامُها!!

بلادي .. قوتها في التمسك بعقيدتها، والاعتزاز بشريعتها، ودفاعها عن كل مسلم في الأرض، والحفاظ على مقدراتها، وكنوزها، وتطوير إنسانها.

بلادي .. جمالها في المحافظة على التزام أهلها بصور العفة والكرامة في دنيا يقام فيها للفجور مؤسسات ودور، والتزام نسائها بستر الإسلام في دنيا تركت قصور الحياء بلا ستور.

بلادي القطرة الندية التي بقيت طاهرة رغم الأعاصير المترادفة، والومضة القوية التي بقيت مشعة رغم قطع الظلام المتكثفة.

بلادي حين تتذكر الماضي القريب .. تمتد رايات النصر أمامها حتى ينتهي البصر، وحين تعود بعينيها إلى واقعها الحبيب تزغرد أعراس الأمن والأمان والحب بين الراعي والرعية حتى تبح الحناجر.

فهل وعى ابن بلادي أية جنة يعيش فيها؟

وهل عرف الباذلون لها أنهم مقصرون مهما بذلوا؟

وهل آن للظالمين الباغين أن يراجعوا أنفسهم .. ويفتشوا سنوات العقوق الأخيرة ليحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا، ويراجعوا مسيرتهم قبل أن تقتلع شأفتهم، ويحسوا بالندامة على ما مر فيعلنوا توبتهم وأوبتهم ورحيلهم من العذاب اليومي الذي يمارسونه مع أنفسهم ومع مجتمعهم الكريم، وأولياء أمورهم الذي عرفوا بالعفو عند المقدرة، قبل أن يأكلوا أصابعهم ندما وحسرة.

كلما خطوت خارج وطني خطوة .. عرفت النعمة التي أعيشها أكثر، وأحببت بلادي أكثر، وشكرت الله تعالى أكثر وأكثر وأكثر..



اترك تعليقاً