العمل الخيري بكل أنماطه الدعوية والاجتماعية والصحية ..، ينبغي أن يكون القطاع الأكثر استجابة لمطالب الحياة العامة التي يكابدها الناس، وأن يقف بقوة إلى جوار كل قلب وروح ليحقق المساندة المطلوبة، بمهنية عالية، تقلل التكاليف، وترفع من مستوى الأداء، وتوسع دوائر الانتفاع.
ولن يستطيع أن يقوم بذلك إلا حين تنعقد الأواصر بين مؤسساته والمؤسسات الأخرى في القطاعين الحكومي والأهلي؛ باتفاقات مدروسة بعناية وكرم، لتؤدي الغاية منها، وحتى لا تكون مجرد هيكل فارغ من محتواه.
ومن أبرز القطاعات أهمية في هذا المجال قطاع الجامعات الحكومية والأهلية؛ لما تكتنزه من خبرات عالية في شتى العلوم والفنون، سواء أكانت إدارية أم تخصصية، ولما تنعم به من مجالات بحثية، وإمكانات مادية.
وكم لذلك من قيمة في نفوس العاملين في هذا المجال الحيوي، حين يشعرون بمساندة ذات مستوى رفيع، تقدم لهم الدعم المتوقع من مثلها، وهو دعم ـ في نظري ـ يتمثل في فتح المجال أمام تأهيل العاملين، والتواصل مع المختصين، وفسح المجال لعشرات الآلاف من الموظفين والموظفات، والطلاب والطالبات أن يستفيدوا مما هو متاح من أنشطة تلك المؤسسات غير الربحية.
والمراقب للفترة الأخيرة يلحظ اقتراب القطاع الجامعي من العمل الخيري وما يشبهه في القطاع الحكومي؛ في جامعة الملك سعود، وجامعة الملك فيصل، وجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الإمام، وغيرها، فقد رأينا كراسي علمية، وندوات وبرامج تدريبية، ومذكرات تفاهم، وافتتاح أقسام علمية، بل ووضع خدمة المجتمع ضمن الإستراتيجيات الأساس للجامعة.
وفي هذا الإطار وبحضور نخبة من أهل الفكر والرأي والعاملين في مؤسسات مختلفة الخدمات في مجال العمل الخيري دعت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لورشة مهمة في مجالها، وسمتها بـ(تحديد احتياجات المؤسسات غير الربحية)، أدارها مختصون مطلعون على تجارب العمل الخيري في العالم، وكانت فرصة ثمينة للانطلاق من زاوية أخرى في التفكير، للارتقاء بالعمل، وفتح أبواب جديدة ينتظرها إنسان بلادنا بفارغ الصبر.
وكأن الجامعة قد بدأت من أول السطر ـ كما يقال ـ لتستكمل هذه المنظومة من اللقاءات؛ لتحديد أوليات العمل، وأدواته، ومراميه وأهدافه؛ ليكون لها إسهام في بنائه وتوجيهه.
وتلك وقفة رائعة وثرية، تشكر عليها جامعة الفهد، وتضاف إلى سجل إنجازاتها، ونجاحاتها التي حقق بعضها العالمية، ونتوقع أن تليها خطوات أكثر اقترابا من كل نوع من أنواع العمل غير الربحي.
إن مجرد تلاحم العلم مع العمل في المجال الخيري، سوف يكون له أثر كبير في التقليل من الهدر في الجهد والمال والوقت، وسوف يصونه ـ بإذن الله تعالى ـ من الأخطاء والخلل الذي قد يتسبب في بطء نموه، أو انحسار عطائه.
وكل ينفق مما عنده، فإذا كان رجال الأعمال ينفقون من أموالهم، ويعطون بسخاء من نشاط تجارتهم، فإن العلماء والخبراء ينفقون من علمهم وخبرتهم، وبالتقارب بين القطاعين سوف يتحقق لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات فرص كثيرة من الإسهام في تنمية المجتمع، والمشاركة الفاعلة والمباشرة في النهضة الشاملة التي ينبغي أن يقوم بواجبها كل مقتدر بحسب طاقته ونوع نشاطه، وسيجعل للجامعات تواجدا أكثر رسوخا بين جمهور الناس، وربما يفتح لهم أبواب من الدراسات، وتنقدح في أذهانهم أفكار أخرى ترفع من مستوى المعيشة، وتخفف من عقبات الحياة.
وإذا كانت تلك الورشة هي التي قدحت الزناد لهذه الإضاءة، فإني لن أنسى أن التي أسهمت في إيقادها مؤسسة عبد الرحمن بن صالح الراجحي وعائلته، التي أثبتت بنوعية الأنشطة التي تدعهما بأنها تعمل بوعي مختلف ـ كما يقال ـ فهي تدعم جذور العمل الخيري، وتؤسس له، وذلك بتأهيل العاملين ببرامج متميزة للغاية، منها ـ على سبيل المثال ـ دعم أربعة برامج لتأهيل المصلحين الأسريين في مركز التنمية الأسرية بالأحساء، خرجت أكثر من مئة وعشرين مصلحا ومصلحة، لا يزالون يسجلون نجاحاتهم في لم شتات الأسر، وربط أواصر المحبة.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.