جريمة عضل البنات 2

عودة مرة أخرى إلى حديث البنات المحرومات من أعشاش الزوجية، تقول إحداهن: كلما تذكرت والدي المتوفى وأخي الأكبر لا أدري هل أدعو لهما بالمغفرة والرحمة أم أدعو عليهما؛ فكلاهما جشع وطماع فكلما تقدم شاب لخطبتي اشترطا مهرا لا يقدر عليه، حتى تفرق العرسان!.

وتقول الثانية: كلما تقدم لنا خاطب أنا وأخواتي الأربع قال أبي: «حتى يكملن تعليمهن»، وأصبح الناس لا يطرقون باب منزلنا واقتنعت الأُسر المجاورة لنا بذلك، ومع السنين كبرنا، فمن يرغب في فتيات تجاوزن الثلاثين.. لقد فات القطار.

وتقول الثالثة: والدي من المتمسكين بالعادات فكلما تقدم عريس لخطبتي يشترط أن يكون من قبيلتنا حتى فاتني قطار الزواج.

وتروي الرابعة بعيون باكية: سامح الله والدي الذي أجبرني على عدم الزواج؛ طمعا في راتبي؛ فكلما جاء أحد لخطبتي رفض بحجة أن أقوم برعاية إخوتي الصغار بعد وفاة والدتي. ولكنني اكتشفت مؤخرا أن السبب هو هذا الراتب اللعين الذي بسببه فاتني قطار الزواج وجعلني رقما في عداد العوانس.

وعانس خامسة وصلت إلى سن الأربعين ولم تتزوج وكلما أتاها الخطاب يرفض والدها تزويجها حتى أصابها الهم والغم فأصبحت لا تُرى إلا بوجه حزين فأصابها المرض ونقلت إلى المستشفى فقام والدها بزيارتها، فلما رأته قالت له: حرمك الله من الجنة كما حرمتني من الزواج وشهقت فماتت. {وإذا الموؤودة سئلت.بأي ذنب قتلت}.

إن عضل الأولياء ليس ظاهرة عامة في بلادنا ولله الحمد والمنة، بل هو شذوذ ينبغي أن يقلع عنه المتورطون فيه، ويتقوا الله في رعيتهم التي استرعاهم الله عليها، ولكن ندرته تزيد من لسعاته على قلوب الفتيات اللاتي يجدن أنفسهن محرومات مما هو متاح لغيرهن، وكل ذلك بسبب واحد فقط: أنهن بنات لهذا الأب القاسي وحسب…       وظلم ذوي القربى أشد مضاضة، على المرء من وقع الحسام المهند.

وحسبي أن أرفع نداء من هنا إلى كل أب مسلم ظلم بناته أن يراجع نفسه، ويعتذر منهن، ويتحللهن، قبل أن يودع الحياة غير مأسوف عليه من أقرب الناس إليه، وأن يسعى في تزويجهن كما سعى عمر رضي الله عنه في تزويج ابنته حفصة بعد وفاة زوجها فعرضها على أبي بكر وعثمان، حتى رزقها الله بخير زوج خلقه الله، صلى الله عليه وسلم.

لقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء فتوى بأن التحجير وإجبار المرأة على الزواج بمن لا ترضاه ومنعها من الزواج بمن ترغب به ممن استوفى الشروط المعتبرة شرعا أمر لا يجوز، بل اعتبره من أكبر أنواع الظلم والجور.

ونداء آخر إلى كل فتاة أن تبادر بطلب رفع الحجر عنها إذا حجرت ظلما وعدوانا، وأن تعلن قبولها لمن ترضاه من الخاطبين، وإذا عضلت فعليها أن تسرع برفع دعوى إلى المحكمة، لتقوم المحكمة بنصرتها، وتقل ولايتها من العاضل إلى الحاكم الشرعي؛ ليزوجها ممن يرضى دينه وخلقه، ومن يكافئها حسبا ونسبا ودينا. وقد ذكر بعض أهل العلم رحمهم الله أن الولي إذا امتنع من تزويج موليته بكفْءٍ رضيته سقطتْ ولايتُه، وانتقلت لمن بعده الأحقّ فالأحق، أو انتقلت إلى السلطان مباشرة؛ لدرء الفتن بين الأقارب؛ لعموم حديث: ((فإن اشتجروا فالسلطان وليّ من لا وليّ له)) أخرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها وقال: “حديث حسن”. كما قال أهل العلم: إذا تكرّر من الوليّ ردّ الخُطاب من غير سبب صحيح دخل عليه النقصُ في دينه وإيمانه.

وتلح علي قصة الفتاة التي شهدت لحظة احتظار والدها، فالتفتت إليه وهو يجود بروحه، ويتمنى أن يسمع ممن حوله كلمة طيبة يختم بها حياته وهو مرتاح البال، فإذا بابنته تلتفت إليه وتقول: أبي قل آمين .. فقال: آمين وهو يعالج سكرات الموت، لعلها تستغفر له، فردت عليه الطلب فأمن الثانية والثالثة، فصاحت به: حرمك الله من الجنة كما حرمتني من الزواج.

أقول: إن هذه القصة أكاد أجزم أنها تكررت مرات ومرات في بيوت الآباء الظلمة، مهما كانت حججهم في عضل بناتهم، هذا سمع دعاء ابنته، وعشرات لم يسمعوا، ولكن الله تعالى سمع.



اترك تعليقاً