بتنا في زمن نجد أنفسنا في أمس الحاجة إلى التعايش في الآراء، وبذل مزيد من الجهد من أجل تفهم الطرف الآخر، لمحاولة الوصول معه إلى ما يمكن أن نعيش معه به، دون أن نخسر مبادئنا، ولا شخصياتنا، ولا أهدافنا العليا التي لا قيمة للحياة ولا للعيش على هذه الأرض بدونها.
وهنا أتذكر ما قاله دايل كارينجي: “تعلم الاختلاط بجميع أنواع الناس، وواظب على الاحتكاك المستمر بهم، إلى أن تتمهد الأجزاء غير المتساوية من عقلك، وهذا ما لا تستطيع أن تفعله إذا كنت في عزلتك”. ولا شك أن المعادلة ليست سهلة، وهكذا المرتقى الصعب لا يناله إلا العظماء.
إن وجود من تختلف معه له من الفوائد ما لا تجده حين تكون ـ باستمرار ـ مع من تتفق معه، يقول روبرت هينلين :”لن أتعلم أبدا من شخص يوافقني الرأي“.
ومهم جدا أن يكون بينك وبين المخالفين لك هدنة دائمة، تمتد فيها شعرة معاوية، وميثاق الحديبية، واحترام كامل للشخوص، ولست ملزما أن تقتنع بالآراء أبدا، فـ(أنت) غير (هو) بالتأكيد، وحين تكون (أنت) (هو) سوف تخسرون جميعا فرصة الاحتكاك وتبادل الخبرات.
إذن هي فرصة ينبغي أن تهتبل؛ لتعرف ما لم تعرفه عن الآخر، ولتتعاون معه فيما يمكن أن يكون هما مشتركا، ويمكن ـ أيضا ـ أن يعرض كل ما لديه؛ لتعرض أنت وجهة نظرك حوله، والعكس صحيح، وهنا مجمع البحرين، وملتقى الثقافتين.
ولن يخاف من هذه الفرصة إلا الضعيف، وهو الذي ينبغي ألا يوجد في المؤسسة الثقافية أصلا، فلا مكان في عالمنا للضعفاء.
ولا بد للمؤسسة التي تحتضن هذا القدر من الفرص الحوارية، ولاسيما في إطار الأطياف التي تمثلها أصوات وطنية، أن تتحلى بسعة الصدر، وإتاحة المجال أمام الجميع.
وأما القائد الذي يستلم دفة السفينة؛ فيجب أن يكون من طراز ألمعي، يقودها بثبات، واتزان، وذكاء عاطفي معزز بإمكانات اجتماعية (سعة في القاعدة الشعبية)، وإمكانات مادية (سعة في التواصل مع رجال الأعمال)، وإمكانات شخصية (تقوى وذكاء وحلم)، وإمكانات إدارية (خبرة متعددة وطويلة)، وتواصل مع القمة الإدارية في البلد (مقام الإمارة، والوزارة، والإدارة المباشرة).
والحقيقة التي لا مجاملة فيها، أن الدكتور يوسف بن عبد اللطيف الجبر الذي تولى رئاسة النادي الأدبي في الأحساء، بعد أن أنجز الرئيس الأول الشيخ عبد الرحمن بن الملا فترة التأسيس، يعد الرئيس الأمثل في هذه الفترة من عمر النادي، وتتمثل فيه كل الإمكانات السابقة بدرجات متفوقة؛ فهو يتمتع بشخصية محورية، قادرة على التعامل مع أطراف عديدة، بل هو مقبول اجتماعيا، ومن أسرة ثرية بأخلاقها، ورجالها، وعطائها المتواصل لمجتمع الأحساء، وها هي ذي تقف معه الآن فتتبنى معظم برامج النادي الكبيرة المقبلة بسخاء ليس مستغربا على مثلها. بل هو ذو علاقات بغالب رجال الأعمال الذين يتوقع منهم أن يتبنوا مشروعات أخرى حاليا أو مستقبلا، وهو ـ ولا نزكيه على الله ـ معروف بالاستقامة منذ نشأته، وذكائه اللماح المبدع، وحلمه وقدرته على إدارة الخلاف، وقد مر بتجارب عديدة تجعل منه شخصية عريضة الخبرة والقدرة على فن الإدارة بفعالية وحماسة منضبطة وتضحية رأيناها فور تسنمه هذا المنصب القيادي، فقد كان قاضيا، ثم عضوا لهيئة التدريس في كلية المعلمين، ثم عميدا لها، ثم انتحى منحى جديدا أطل منه على عالم آخر من خلال المحاماة، وكلها أعمال سامية عظيمة محل تقدير وتوقير.
إن تلك الخبرات المختلفة، سوف تصب في النهاية في صالح تقدم النادي بإذن الله تعالى. إلى جانب أنه جاء برغبة جميع أعضاء النادي، في الوقت الذي مروا فيه بتجربة تبين لهم من خلالها أن الوفاق والاستقرار والتفاهم هو أساس النجاح.
بل إن التجربة السابقة جعلت الجميع يتجنب ما قد يكون مرفوضا تماما بعد أن عرفوه، ويبحث عما يكون قابلا للطرح، ولو كان غير مقنع لأحد الأطراف.
والأمر الذي يجهله بعض المراقبين للنادي هو أن الدكتور يوسف الجبر أديب طبعا، وله كتابات مفعمة بالكلمة الرفيعة الجميلة الهادفة، ومكتبته الخاصة أكثرها في ميدان الأدب، وأما حديثه العادي فيعجز عن مفرداته حتى بعض المختصين في الأدب والمبدعين فيه.
نعم ليست هذه مجاملة، وإنما كلمة حق يجب أن تقال، واستشراف لمستقبل أكثر عطاء ونجاحا لنادينا بإذن الله تعالى.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.