ورحل العبيد .. بستان الأدب والدعوة

توج حياته بكتابه الذي رصد فيه تجربته في نادي الشرقية الأدبي، وهو حق التاريخ عليه، فقد ولد بين يديه، ورضع من لٌبان تجربته، وتغذى على دمه الموار بذكر خالقه، مارس الأدب رسالة سامية، يجسد فيها حبه لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ويشيد بقيم الإسلام الكبرى، ويتعاضد مع أولياء الأمور في خدمة هذا الوطن المقدس، وقد تحلق حوله عدد من الأدباء يدعمون مسيرة النادي الجديد الذي انبثقت ينابيعه بعد اشتياق في شهر جمادى الأولى عام 1410هـ، وكان على يمينه المربي القائد الدكتور سعيد أبو عالي، ومعه كوكبة من الأعلام أمثال شيخ أدباء الأحساء أحمد بن علي آل الشيخ مبارك، والشاعر مبارك بوبشيت، والباحث جواد الرمضان، والأديب خليل الفزيع، والشاعر الرقيق الدكتور عبد العزيز العبد الهادي، والدكتور الأكاديمي عبد الله الجهيمان، والشاعر السوري محمد أمين أبو بكر، والدكتور محمد بن عثمان الملا، ومشاركات عديدة من الشيخ المؤرخ عبد الرحمن بن عثمان الملا.. وآخرون.. كنت ـ حينذاك ـ أمثل النادي في محافظة الأحساء، وعضوا في عدد من اللجان، كنت أصغرهم سنا وعلما وقدرا، فكان لي شرف الصحبة، وفرصة التعلم، تجربة رائعة امتدت حتى شهر صفر الخير عام 1427هـ، ترسخ فيه الأدب الهادف في شرقية الخير، وتدفق نهر من الكتب والنشاطات في طول المنطقة الشرقية وعرضها، واستقطب فيها النادي عددا هائلا من الأعلام، ورعى الموهوبين، واحتفى بالمبدعين.

بدأت رحلتي مع فقيدنا ووالدنا الشيخ الكريم عبد الرحمن بن عبد الكريم العبيد رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى في جناته، ومع عدد من أعلام الشرقية خاصة والمملكة عامة حين بدأت بحثي حول الشعر في الأحساء، حيث قادني كتابه الصغير الحجم، الريادي في موضوعه، (الأدب في الخليج العربي)؛ لأتعرفه أكثر، كانت صورته وهو في العشيرنات مدهشة لي، كيف استطاع شاب في هذه السن أن ينشر كتابا يضم نخبة من أهل الفكر والأدب، بصورهم، في ظروف مادية وتقنية متواضعة؟! في حين بقيت مئات الكتب لمن هم أكبر منه سنا وأكثر منه نتاجا ترزح تحت التعلل والتأجيل والخوف من النقد.. فما الذي كان يتطلع إليه هذا الشاب؟

بحثت فوجدت له ديوانه الرفيف الشفيف (في موكب الفجر)، الذي لا ينطق باسمه الشيخ إلا وهو يترنم به، وهو كذلك في قصائده وأخيلته، وقد سجل هذا الديوان تجربته الشعرية الشبابية قبيل دخوله في عالم الدكتور عبد الرحمن العشماوي؛ كما ذكر ذلك لي، وتحوله إلى الإسلامية الكاملة في موضوعاته وأطروحاته، فكان ديوانه يا أمة الحق، وقصيدته (الوصية)، بل ومؤلفه الذي كان يذخر أجره في الآخرة ـ كما أحسبه ـ أصول المنهج الإسلامي، وكان مسرورا جدا من توفيق الله له بتأليفه، وفرح حين تمت ترجمته إلى لغات أخرى.

كانت تعزيتي له في وفاة أخيه قبيل أيام من وفاته آخر المهاتفات، فلما رأيت خبر صدور كتابه حول النادي الأدبي هممت أن أتصل به لأسأله عنه، فوجدت رسالة من هاتفه تنعاه!!

هي الحياة .. قصيرة مفجعة مهما طالت أعوامها..

ولكني أشهد للفقيد بالإيمان، وبحب الطاعة والدعوة والقرآن، شهادة من رأى وسمع، ولا أزكيه على الله، فهو حسبه ونعم الشهيد.



اترك تعليقاً