أصابتني حمى (تويتر)، ووجدت قاربي ينزلق في نهره الهادر، لم أكن أتوقع أن يقدر على الدخول في معمعة جدولي اليومي فيحتل منه هذه المساحة الشاسعة دون أن يخل به، فهو يتدسس بين الدقائق الهاربة بين المنشط والمنشط، ويصحبني في السيارة وأماكن الانتظار، حين تفيض من صدري آهة، أو من شفتي ابتسامة، أو من عقلي فكرة؛ لم يعد يحتاج أحدنا ورقة ولا قلما ولا مكتبا ليكتب، فها هاتفه يتجول معه في كل فيمتو ثانية، ولا يكاد يدعه أبدا في ليل أو نهار، بل قد ينام على صدره كما يقول الذين بلغ بهم هوسه ذلك المبلغ، ضاربين بكل التحذيرات الطبية من وجوده في غرفة النوم عرض الحائط، بل مخلين بالواجبات الشرعية والأسرية كذلك!!
ليس (تويتر) في عرفي، إلا فرصة ثمينة للتواصل الراقي، وقناة جديدة لإيصال رسالتي في هذه الحياة، وحين أقرأ بعض ما يسمونه تغريدات وسقسقات وهي لا تعدو أن تكون مجرد نكات فاترة، أو أخبار شخصية لا يستفيد منها القارئ شيئا، أحس بأن هؤلاء يسرقون ثواني حياتي الغالية.
ينبغي أن توظف هذه الفرصة لإنتاج غزير المعنى، غزير الكم، يتلون بأطياف الحياة اليومية والعملية، نستخلص رحيق ورودها؛ لنعطر بها المستقبل، ولا بأس أن نستخلص سمومها؛ لنصنع منها أدوية لأدوائه، إذ الدنيا دنيا، ولا يتوقع منها الكمال، ولذا فهي تحتاج إلى الترميم كما تحتاج إلى البناء.
ولو كان ابن الجوزي حاضرا في زماننا هذا لكان كتابه (صيد الخاطر) خمسين مجلدا، وليس مجلدا واحدا، فالخاطرة على جناح طائر، إن لم تقيدها تلاشت في أجواء الحياة، وبين طياتها المتتابعة.
(تويتر) ليس للتفاخر بكثرة (الأتباع)؛ كما هو مصطلح من أسسه، ولا لننشر ما لا يحسن أن ننشره من أمور حياتنا، مندفعين بقوة ضرورة الحضور المستمر، فنهتك ستر الله علينا، ولا يفرض علينا أن نجيب سؤاله: (ماذا حدث؟)، بل هو تلاقح أذهان، وتلاقي عقول، وتباريح مسكون بحب الإنسان، كل إنسان بلا استثناء.
فقط.. 140 حرفا هي المساحة التي أتاحها لك موقع تويتر لتقول فيها شيئا ما..مَهْما كان مُهِمَّا أو يحتاج إلى بيان وتفصيل، هل أحسست بضيق المساحة؟ إذا قلت نعم فأنت تحتاج ـ فعلا ـ إلى (تويتر).
لقد علمنا هذا الموقع الاجتماعي ـ وقبله رسائل الجوال ـ أن نعد حروفنا عدا، وهي بلا شك محسوبة علينا دنيا وأخرى، وحين قال الإعلامي الشهير: أحمد منصور لمن يتوقع أن يكون رئيس دولة خلال 24 ساعة أو 48 ساعة: “كنت تتحدث قبل ذلك كما تشاء، والآن سوف تحاسب على كل كلمة تقولها”، أجاب فورا: “وهي أيضا سوف تحاسبني!!” فغبطته على هذه البديهة الحاضرة، في عصر المحاسبة الضروس!
(التغريدات) كلمات، بها يعرج المرء في سماوات المجد والخلود، وبها ـ أيضا ـ قد يخسف به في دركات الأرض، ويطبع اسمه على أذيال الخيبة والسخط الرباني والبشري.
فرصة ..
فرصة لم أحسب لها حسابا.. أن أشهد ولادة الأفكار الطرية وهي في لفافات المهد، بل وهي تنبجس من دخائل أرباب الفكر والعلم والأدب .. شكرا (تويتر).
حسابي على تويتر: @holybi50 .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.