باتت قضية التنمية الاجتماعية والأسرية منها بخاصة، أبرز القضايا العالقة، التي تبذل فيها جهود متعددة، ولكنها غالبا غير مقننة، ولا منظمة بالقدر الذي ينبغي أن تكون عليه، ولا موزعة توزيعا عادلا على كل الجهات المعنية بقضية الزواج وتكوين الأسرة، ولذا بقيت حتى الآن متأخرة عن المأمول، مما أدى إلى بروز عدد من المشكلات الكبرى، أخرت هذا الجزء الأهم من التنمية، وأثر ذلك على عناصر التنمية الأخرى؛ نظرا لكون الأسرة هي الركن الأشد في المجتمع، الذي تأوي إليه كل مناحي الحياة الأخرى، كما أنها تنطلق منه كذلك.
وإنما تتكون نواة الأسرة على يد عاقد الأنكحة الموثق رسميا من وزارة العدل، بما شرع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أي أنها تبدأ بالميثاق الغليظ الذي يتم بالإيجاب والقبول، في مجلس يحفه ذكر الله تعالى والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذا فكان ينبغي أن يستمر هذا الرابط الإنساني الطاهر العظيم وفق المنهج نفسه الذي تم عقد القران به، وأن يكون للعاقد دور في استقامة هذا البيت المسلم الجديد، الذي وضعت أول لبناته بيده، وأن يسهم في استقراره، وتوطيد دعائمه.
ومما أطبقت عليه نتائج الدراسات الاجتماعية المعاصرة التي أمكن الاطلاع عليها، أن الطلاق يعد نتيجة لتنامي المشكلات التي قد تبدأ قبل الزواج؛ حين لا يتأهل الزوجان للحياة الأسرية، أو يكون أحدهما نبتة في بيئة جاهلة، أو سيئة، أو حين يسئ أحد الزوجين اختيار صاحبه، وإذا كانت إحصاءات الطلاق في المملكة العربية السعودية تتزايد عاما فعاما، حسب مصادرها في وزارة العدل، في معظم المناطق والمحافظات، فإن واجب الحد من هذه الآفة ينبغي أن يكون هاجس جميع الجهات القادرة على التعاون على الحد منه؛ يقول الله جل في علاه: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة 5/2] .
ولذا فإني أقترح هذه الاقتراحات الأربعة:
- ينبغي أن يكون للعاقد نوع من التواصل مع الزوج وولي الزوجة بعد عقد النكاح؛ للتوجيه والاستشارة؛ لأنه ـ في الغالب ـ قريب منهم، وموثوق عندهم.
- ينبغي أن يشترك العاقد في إصلاح ذات البين بين الزوجين لو احتاجا إلى ذلك، فإن أكثر الناس لا يبحثون عن الاستشارة والصلح؛ مما يجعل الطلاق هو الحل الأقرب للمتخاصمين، حيث لا يوجد من يقرب وجهات النظر، ويسد خلل العيوب، ويكشف العواقب المغيبة وراء الغضب والتشاحن.
- لعل من الإرشاد الزواجي الذي يحتاج إلى مسارَّة وخصوصية، ما يحتاجه الزوج عند الدخول على زوجته، من أحكام شرعية، ولطائف في العشرة، وحث على السنن التي لها ما بعدها من البركة على الزواج، والترابط الحميمي بين الزوجين، وهو ما ندر عند أكثر المقبلين على الزواج أو قل، وللحياء الاجتماعي دور في ضعف هذا الجانب التثقيفي المهم، الذي قد يؤدي الجهل به إلى ارتكاب ما حرم الله تعالى.
- لن يستطيع المأذون أن يقوم بكل أنواع الإرشاد، ولا ديمومته، ولذلك كان لا بد من دلالة الزوجين على مراكز مختصة، يتوافر لديها المرشدون والمرشدات، في أوقات ممتدة ومحددة، بل يكون من شأن تلك الجمعيات والمراكز أن تزود الزوجين بالمواد التوعوية اللازمة، ويتوفر لديها قسم لإصلاح ذات البين، ومجال للتدريب على استقرار الحياة، وتربية الأولاد. وهو ما يقوم به بعض المأذونين شكر الله لهم، مؤمنين بأهميته الكبرى، ولعل ذلك يعود إلى مدى قوة المراكز المختصة وضعفها في كل منطقة ومحافظة، وإلى مدى صلتها بالمأذونين، وبناء على ذلك تكون الصلة المثمرة بين المأذون والمركز الأسري.
والله ولي التوفيق.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.