فرحة وعزاء

العيد باقة من زهور الحياة تتجمع بين أيدينا فجأة؛ لنحس بطعم الحياة الألذ، فرصة لننسى كل همومنا، لننسل من كل أعبائنا، لنحكم رتاج رغباتنا الانتقامية، ونفتح أبواب السماحة وكرم النفس.

العيد يحمل بطاقتين: الأولى يعزينا فيها برحيل شهر الخير والنور والقرآن، شهر رمضان الكريم، محفوفا بالدعوات أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين صالح أعمالهم ، وبطاقة تتألق بابتسامات المحبين، ودعوات المتقين، وضحكات الصغار، وهدايا الأصدقاء، بحلول عيد الفطر المبارك، تزهو الحياة بجمال آخر يطرب به الوجدان، وترقص له القلوب، إنه ـ كما يراه الإيجابيون مهما كانت ظروفهم ـ حياة جديدة تجدد لنا أثواب الوجود المنظور ، فتحيي فيه أسمى معاني الحب والإخاء والألفة ، تذكرك برحم مقطوعة فتصلها ، وبصديق مهجور فتجدد صلتك به ، وبمشاحنة قديمة تسببت في قطيعة فتكون فرصة تناسيها أو علاجها. وتنشر الابتسامات الصافية على الشفاه ، فتنتزع الأحقاد ، وتشفى النفوس ، وتريح القلوب.

العيد شعيرة عظيمة ، يمتثل لها جميع أفراد المجتمع المسلم بلا استثناء . فليس هو فرحا بعرس خاص بأسرة أو بقوم، وليس هو سرورا بنجاح أفراد ، إنه فرح مشترك بين جميع أفراد المجتمع ، وهنا تكمن قيمته الاجتماعية ، فإنك تهنئ الجميع بلا اختيار أو انتقاء، وتدعو للجميع بكل حرارة وإخلاص ربما دون أن تعرف صاحبك. وهذا  ما يعمق الأخوة الإيمانية بين المسلمين ، ويشعرهم باشتراكهم في مشاعر واحدة .

العيد يوم الزينة التي لا يراد منها سوى إظهار نعمة الله تعالى عبده، لكن دون خيلاء ولا مباهاة ولا استعلاء على الخلق .

العيد يوم الفرح والسرور ، والتوسعة على العيال في المأكل والمشرب ، واللهو المباح ، ولكن دون أن يتجاوز ذلك إلى الإسراف واللهو المحرم .

العيد يوم التفسح والتنزه ، والخروج من الدائرة الخاصة إلى دوائر أوسع ، ولكن دون سفور وتحلل واختلاط محظور .

العيد فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات والشياطين ، والرضا بطاعة المولى عز وجل ، وانتظار الوعد الكريم بالفوز بالجنة والنجاة من النار . ولكن دون أن تنسي هذه الفرحة بالنصر في تلك الجولة أن صراع النفس المؤمنة مع أعدائها الثلاثة سيظل مستمرا في جولات لا تكف حتى يموت الإنسان .

العيد فرحة لا يستحقها إلا من أطاع الله ، ذلك الذي يطوي بين ضلوعه نوايا الخير لنفسه ولمجتمعه ولوطنه ولأمته .

العيد عند المسلمين ليس عادة اجتماعية ، تخضع للمفاهيم العصرية المتجددة ، بل هو عبادة يجب ألا ننحرف بها إلى آفات العصر ومهاتراته مهما كان وجهها الذي تظهر به .

هناك من يصنع من عيده مسارا جديدا يشقه نحو السعادة مع أسرته، فهو يعتذر عن تقصير، ويندم على تصرف، ويبادر بإحسان، ويغطي بالسخاء كل الندوب التي ولدت الأوجاع عبر سنوات من الغفلة عن أهم واجب شرعي بعد الفرائض. ويقدم لمستقبل بدأ مع إطلالة هذا الفجر الباسم الذي نترقبه غدا أو بعد غد بإذن الله تعالى.

وإن نسينا في عيدنا فلن ننسى أبدا إخوانا لنا في العقيدة في أرض الإسراء  وغيرها من بلاد المسلمين يقضونه في محنة وخوف ، تضطرم في حشاشات قلوبهم الآهات ، وتصبحهم الصواريخ وتمسيهم الطلقات ، كل يوم يحمل شهداؤهم على الأكتاف ، قد هدمت بيوتهم ، وقتل أطفالهم ، وديست كرامتهم ، وانتزعت الطمأنينة من قلوبهم ، تجبر عدوهم وتغطرس ، فلا نملك إلا أن ندعو الله لهم أن يكون هذا العيد مطلع رحمة عليهم بعد عذاب ، وفرجا بعد شدة ، لتعود المقدسات إلى أهلها ، وينعمون بما ننعم به من خير ونعمة.

بارك الله لكم عيدكم ، وتقبل صيامكم وفضائل أعمالكم ، وكل عام وأنتم بخير.



اترك تعليقاً