لا تزال بعض الحيوانات الأليفة تسهم في كشف حقائق نفسية خفية في عالم البشر الغامض، أو اكتشاف مرض عضوي أو علاجه.
والتجربة التي وصلتني عبر بريدي الإلكتروني جديرة بالتأمل لمن لديه الشجاعة الكافية لإحداث التغيير في حياته الأسرية، بل والإدارية بشكل عام، مهما كانت الموروثات مقدسة في نفسه مادامت ليس من شريعة الله.
ملخص التجربة: أحضر خمسة قرود، وضعها في قفص! وعلق في منتصف القفص حزمة موز، وضع تحتها سلما. بعد مدة قصيرة ستجد أن قردا ما من المجموعة سيعتلي السلم محاولا الوصول إلى الموز. ما أن يضع يده على الموز، أطلق رشاشا من الماء البارد على القرود الأربعة الباقين وأرعبهم!! بعد قليل سيحاول قرد آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز، كرر نفس العملية، رش القرود الباقين بالماء البارد. كرر العملية أكثر من مرة! بعد فترة ستجد أنه ما أن يحاول أي قرد أن يعتلي السلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفا من الماء البارد، الآن، أبعد الماء البارد، وأخرج قردا من الخمسة إلى خارج القفص وضع مكانه قردا جديدا لنسمه (ص) لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء البارد. سرعان ما سيذهب (ص) إلى السلم لقطف الموز، حينها ستهب مجموعة القرود المرعوبة من الماء البارد لمنعه وستهاجمه. بعد أكثر من محاولة سيتعلم (ص) أنه إذا حاول قطف الموز سينال (علقة محترمة) من باقي أفراد المجموعة.
الآن كرر التجربة بإخراج القرود قردا قردا ممن عاصروا حوادث شر الماء البارد، وفي كل مرة أدخل قردا جديدا عوضا عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرر من جديد. القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضربا لمنعه. بما فيهم (س) وأمثاله ممن يضربون ولا يعلمون لماذا يضربون؟!، على الرغم من أنهم لم يعاصروا رش الماء، ولا يدرون لماذا ضربوا في السابق، كل ما هنالك أنهم تعلموا أن لمس الموز يعني (علقة) على يد المجموعة لذلك ستجد كل قرد جديد يشارك، ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد، لماذا؟ لا أحد منهم يدري! لكن هذا ما وجدت المجموعة نفسها عليه منذ أن جاءت.
عذار .. فهذا ما يحدث في بيوتنا.. حين نرث أساليب التعامل بين أفراد الأسرة من أجدادنا، كما تورث الأموال والعقارات، وهي التي صنعت في أجواء ثقافية واقتصادية ونفسية مختلفة تماما عن الأجواء التي نعيشها.
إن معظم الموروثات الاجتماعية في مجال التعامل الأسري والتي نظن أنها نجحت من قبل، ليست صالحة للتعامل في زمننا هذا، تلك حقيقة تصدم الجامدين، وتستنفر غضب الذين لا يريدون تغيير ما حولهم مهما كان بائدا، أو أن أساسه انهار تماما، وبالطبع سوف يفاجأون بالسقوط الذريع الذي يتمثل في أشكال مختلفة، مثل هروب الأولاد؛ فقد أثبت بحث جديد للدكتورة عائشة الشهراني أخصائية الطب النفسي بوزارة الشؤون الاجتماعية أن نصف الأبناء الهاربين من منازلهم يعانون من مشاكل أسرية مستمرة، وأن نمط الوالدين في تعاملهما له الأثر العميق في جعل المنزل طارداً للفتى أو الفتاة.
ومن ذلك أيضا جرائم الإناث، فقد تبين في بحث قيم للعقيد الدكتور محمد السيف أن المرأة السعودية المحكوم عليها بالسجن لارتكابها أفعال جنائية غالبا لا تسعى إلى كسب مادي فإن (86.8%) يبحثن عن مشاعر الحب والحنان والعلاقات الحميمة، بسبب شعور الزوجة بالحرمان العاطفي في علاقاتها مع الزوج، وشعور البنت باضطراب عاطفي في علاقاتها مع والديها وأشقائها، وأن ذلك مرتبط بشكل مباشر بثقافة الوالدين والأشقاء والأزواج ومؤثر بقوة على ميل المرأة في المجتمع السعودي نحو ممارسة الأفعال الجنائية المحرمة.
إننا يجب أن نبحث ـ جديا ـ في الماضي القريب للتراث التربوي/العملي، والذي كان يتعامل به جيلان قبل جيلنا على الأقل، وأسباب ضمور العاطفة فيه، واضمحلال القيم التربوية فيه، حيث لا يمكن أن تقر بعض بنوده شريعة ولا علم أصيل، فليس هو ذا امتداد قيمي شرعي، حيث تفوح روائح العطر النبوي في التعامل الرفيع مع الزوجة والأولاد والناس أجمعين، وليس هو ذا امتداد علمي بأصول العلم والتربية الواردة في كتب السلف والخلف.
فلماذا يصر بعضنا على أن يرث أسلوب تربية جده لوالده ليربي به ولده والأجيال اختلفت تماما عصرا وعلما ووضعا إعلاميا ومعرفيا. ولماذا تبقى المرأة رازحة في أغلال معاملة بالية قاسية من الزوج أو الأب بحجج لم ينزل الله بها من سلطان؟؟
الأمر أكبر وأخطر وأعظم من أن نتناساه أو نتجاهله .. فالتربية والعلاقات الزوجية إما أن تصنع مستقبلا مضيئا وثابا لكل مجد وحضارة، وإما أن تصنع إجراما وإخلالا بالأمن والأمان.
((لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)).
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.