في أجواء تتهادى فيها نسمات البرد المبكرة تجمع عشرات الطلبة المبدعين في سكاكا الجوف؛ ليؤكدوا حقيقة غائبة عن أعين كثير من التربويين والمربين والآباء، أن الأنشطة الطلابية ليست شيئا هامشيا، ولا ضياعا للأوقات كما يحلو لبعضهم أن يقول، ولا ملاذا للهاربين من أسوار الفصل العتيدة، ولكنها منارات على طريق المستقبل الواعد للفرد والوطن والأمة.
هكذا أرى النشاط الذي أفخر وأعتز أنني كنت في أحضانه منذ المرحلة الابتدائية، ولا أزال أجني ثمراته الرائعة الدائمة بإذن الله.
ربما أكون مبالغا حين أفضل الأنشطة التي تمارس خارج حدود القاعة الدراسية إذا أحسن إعدادها، وأتقن تنفيذها، على ما يضخ من معلومات في داخل تلك القلاع العتيدة، مادام حال التعليم لم يتغير عند كثير من المعلمين وأساتذة الجامعات .. مجرد حديث أمام الطلاب .. وليس معهم، مجرد تسميع لما حضَّروه وليس كشفا لأسراره، وتقويما له، مجرد أداء للوظيفة، وليس إبداعا فيها، مجرد تحفيظ ينتهي بأداء اختبار باهت، وليس تنويرا للفكر، ولا صناعة للشخصيات، ولا تطويرا للإمكانات، ولا تدريبا للمواهب وخدمة لها.
الأنشطة الطلابية مجهدة لإدارة أية مؤسسة تعليمية تنهض بها؛ ولذلك يهرب منها الكسول، والجامد، والمتخوف من لا شيء ..! الذي اعتاد أن يكرر ما فعله السابقون حتى لا يكون رائدا لشيء أبدا .. أبدا!!
ولكنها ضرورية كضرورة التعليم النظري والتطبيقي، فعن طريقها يتحول العلم إلى عمل، والفكرة إلى واقع، والموهبة الكامنة إلى شخوص بارزة.
ولك أن تسأل معظم الذين تسنموا المواقع القيادية والإدارية في مجالات الحياة المختلفة، وكثير من المذيعين، والكتاب، والخطباء، ومشاهير الصوت والصورة والفنون التشكيلية وغيرها .. ستجد أنهم كانوا يقفون خلف لاقط الإذاعة الصباحية، أو على خشبة المسرح، أو بين يدي أستاذ مبدع يمزجون الألوان ويرسمون تقاسيم الحياة من حولهم بروح متفائلة.
لكن الملتقى الثامن لختام الأنشطة الطلابية لكليات المعلمين الذي استضافته كلية المعلمين بالجوف كشف عن سر آخر من أسرار هذه الأنشطة، هو روح المنافسة العالية والرفيعة ليس بين أبناء المحافظة الواحدة، بل بين أبناء كل المحافظات.
فالملتقى يجمع بين المبدعين الشباب من كل الكليات الثماني عشرة، المنتشرة في المملكة كلها، ويجري بينهم مسابقات شعارها (كلنا فائزون)، وتشمل جوانب أهملت في عدد من الأنشطة الطلابية في الجامعات والمدارس؛ فهي تجمع بين القرآن والحديث والثقافة العامة والشعر والمقال والمسرح والارتجال والبحث الاجتماعي والدراسة الميدانية وخدمة المجتمع والرحلة الخلوية وفكرة الخدمة والعمل الريادي والدرس النموذجي والمبتكر العلمي والبحث العلمي والخط العربي وتصميم الإعلان والرسم التشكيلي والسباحة واختراق الضاحية واللياقة البدنية وتقنيات التعليم.
كما يستضيف الملتقى مفكرا وتربويا وإداريا وشاعرا وعضوا من مجلس الشورى ومختصا في الموهبة والابتكار؛ ليكونوا نماذج مشجعة ومقومة للطلاب الطموحين.
هذا التكامل في جو ترفرف عليه أجنحة المحبة والمودة والإخاء، ويمتد بصداقات وتواصل بريدي ـ بعد اللقاء ـ يمنح المواهب الصاعدة فرصة أكبر للتلاقح وتبادل الخبرات.
إن تغير مكان هذا الحدث السنوي يعطيه انطباعا جديدا، ولونا جديدا كلما تكرر، وإن تكررت بعض مناشطه، بل إن المنافسة بين الكليات في الظهور بأجمل مشهد لا بد أن يترك أثرا رائعا في تجديد المشهد السنوي، فنحن في مملكة أشبه ما تكون بقارة، كل منطقة فيها بل كل محافظة تمثل نمطا خاصا في السمات، والأجواء، والطبيعة، والتاريخ الشعبي، وإن كان يجمعها دين ولغة ووطن واحد.
ومن الرائع حقا أن تجد كبار المسؤولين في وكالة كليات المعلمين، وعمداء الكليات ومسؤوليها، لديهم الاقتناع الكامل بجدوى هذه اللقاءات التي ينتظرها الموهوبون كل عام بفارغ الصبر، والذين تقدمهم كلياتهم كل عام لهذا الوطن الحبيب، وقد وضعوا أقدامهم على الطريق الصحيحة نحو هدف واضح يخدمون به مجتمعهم، بل والإنسانية كلها.
ومن الرائع ـ أيضا ـ أن تجد المبنى قد ضم ملعبا مزروعا، ومسرحا متميزا، وإصطبلا للخيل، وقاعة تدريب متكاملة، وورشة رسم، وخيمة جوالة، وصالة ألعاب .. إنها بيئة تجعل من النشاط الطلابي متعة ومصنعا للرجال الناجحين بإذن الله.
كاشفة /
كليات المعلمين أشبه ما تكون بجامعات .. ولا تزال تحلم بقرار يوحد كيانها المتبعثر على أديم المملكة الحبيبة في جامعة تربوية واحدة .. فهل سنسعد به قريبا ؟
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.