أرسل مخيم بوارق الخير بريقه السابع، على شاطئ الحب والنور، في مدائن الحضارة والثقافة والعلم والأدب في الأحساء؛ ليكشف جانبا من جوانب الألفة والعطاء الشبابي الرائع، الذي يتميز به الشباب المستقيم، المحب لدينه، المضحي لوطنه، الراكض في دروب الخير والإحسان بكل أريحية وهمة.
تظلل الخيام المرفرفة بجمال الأخوة الإيمانية، أرواحا تسبح في فضاءات الأمان النفسي، والسمو الأخلاقي، والوسطية الفكرية، والإقبال على الحياة الأجمل والأروع.
لم تكن الساعات قادرة على التريث في طريقها إلى جبين الفجر الأعر، فإن البهجة الراقصة بين أضالع الحاضرين تسرق الدقائق من وراء أستار الليل، دون أن يشعر عقرب الساعات بذلك.
بين هاتيك الخيام الهيمانة بليالي هجر الحالمة، تتحرك أفئدة جعلت همها الإصلاح، وهدفها سعادة الآخرين، فاقترنت ابتساماتها بابتسامات المهتدين، وتجمهرت تجاعيد جبينها كلما لمحت تقطيب جبين حزين مكتئب أحاطت به المعاصي من كل صوب، فضاقت به الأرض بما رحبت، فقذف بنفسه في أحضان تلك الخيام الدافئة، يلتمس الحنان الذي فقده جتى في بيته، هنا يجد من يحن عليه، من يسأل عنه، من يقول له: إني أحبك في الله.. الله .. ما أجملها، وما أحمق من يجهلها!!!
تنقل الطرف بين خيمة للأطفال فيها مسرح لمرحهم، ومستراد لعقولهم، وتلبية لاحتياجاتهم النفسية، والاجتماعية، والروحية.
تلتفت الأحداق المشدوهة فترى خيمة تذكرك بـ(الفسطاط) لترامي سعتها في العين، وانبساطها في القلب، قد امتلأت بالمقاعد.. عفوا بالشباب الواعد .. بالمستقبل المتوثب وراء الأهداب المتحفزة.. وليس الأجفان الناعسة!!!
التفاعل مع البرامج متلون تلون المطروح منها؛ فمن أحب الفن المسرحي وجد بغيته، ومن يستطيب الصوت الحسن، وجد طلبته، ومن اشتاق إلى الموعظة عثر على ضالته.
اقتربت من أحد الشباب وهو على كرسي متحرك، نظرت فوجدت أنه قد لف ألمه في منديل الفرح، ووارى عجزه خلف جدر العزيمة والبناء، وانتصر على الإعاقة حين شارك الأسوياء، بل وزاحمهم في أماكن استفادتهم، والترويح عن قلوبهم.
مِلتُ عليه، فرفع رأسه، سلمت فرد التحية بأحسان منها، جلست إلى جواره، تبسم برضا عميق، سألته ما رأيك في بوارق الخير؟ تفتحت بوادره، رد علي بفرح عجيب.. إنها السنة السابعة للمخيم، وأما أنا فهذه السنة الثانية التي أشارك فيها.. إنه مخيم رائع.. لقد استفدت منه كثيرا، أليس هو أفضل من الركون إلى الكسل والدعة، والجلوس بين أربعة جدران في المنزل؟ لا بل يكفي هذه المحاضرات، وهذه الوجوه الطيبة، والمشاركات الهادفة، إنني هنا أستفيد فائدة عظيمة من كل ما يطرح.
أحسست بأن كثيرين من حولنا يعيشون زبد العافية، وينتهكون حرمة الزمن، وينحرون دقائق العمر، إنهم هم المعاقون، وهذا هو السوي بلا شك.
لقد عرف هذا الشاب كيف يحول الشعار الطموح الذي رفعته الندوة العالمية للشباب الإسلامي في مخيمها هذا إلى واقع، (كن إيجابيا) إن كل ذي عاهة يستسلم لعاهته، سوف يكون أسيرا لها، سوف تقضي على بقية مهاراته السوية، وطاقاته الجبارة التي أودعها الملك الخلاق في نفسه، لكن هذا الشاب تفاعل مع هذا الشعار فاندفع بين زملائه يقتنص شوراد التجارب التي يطلق أطيارها العلماء والدعاة والمصلحون في سماوات المخيم الظليلة.
تشعر أنك أمام تجربة متميزة في استثمار طاقات الشباب وظمأهم لخدمة دينهم، وصلاح مجتمعهم، حيث تستوعب الحماسة والجدارة والاندفاعية والقوة الإبداعية الخلاقة فيما يعود على الأمة والوطن بالخير الكثير الوفير.
كل شاب هنا يقوم بدوره بكل أمانة ومسؤولية ورغبة شديدة.. إنه يشعر أنه يبني ويعمر، وأن مآل عمله القبول والأجر والثواب، الذي تطمح القلوب المؤمنة للوصول إليه بإذن الله تعالى وكرمه.
كل عمل هنا مر بتخطيط ودراسة وتنفيذ دقيق؛ ولذلك ليس غريبا أن نجد النجاح يتوثب بين أعين الزائرين في كل رواق من أروقة المخيم.
ولكن لماذا يتوارى كثير من أهل الأموال عن ساحته، وهم الذين يبحثون عن ميادين العمل المتقن المثمر دنيا وآخرة..؟ أظن أن كثيرا منهم لم يعلموا، ومهمتي اليوم أنني أعلمتهم.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.