لحظة .. أيها الطبيب ..

طوال حياتنا ونحن نستمع إلى توجيهات الأطباء وإرشاداتهم ، بينما هم لا يكادون يحظون بالتفاتة كهذه ، وبينما كنت أتصفح بعض المواقع ، وجدت التفاتات من عدد الأطباء والدعاة إلى هذه الفئة العزيزة على نفوسنا ، فأحببت أن أقدم للأطباء في هذه المقالة طاقة من الورود ، استمدت حياتها من تلك الجذور ، فصنعته أريجا خاصا .. لعله يخالط أنفاسهم الزكية .. فتعبق به قلوبهم الرحيمة ..

الطبيب المسلم حتما يختلف في منحى حياته ، وفي ممارسته لمهنة الطب عن غيره من أطباء البشرية الآخرين ؛ فهو إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويحتسب الأجر في مهنته قبل الراتب الذي يتقاضاه ، إنه صاحب رسالة شرعية إسلامية قبل أن يكون صاحب رسالة علاجية أو مهمة طبية ؛ ذلك التميز لأنه مسلم وحسب ، صاحب منهج متكامل للحياة الطيبة ؛ ولذلك فإنه يعنى بمريضه ويبذل كل ما في وسعه وما في علمه لرعايته وكأنه أبوه أو ابنه ، متوكلا على الله وحده وليس على قدراته , لا يستغل مرضه  في تحقيق كسب مادي كإجراء فحوصات طبية لا حاجة لها ، أو إعطاء أدوية بدون مستند علمي ,      ولا يبحث من وراء ذلك عن شهرة أو كسب مادي , وإن تحقق له ذلك فهو فضل من الله، فلا تغره تلك الشهرة أو الغنى , فهدفه مرضاة الله لا رضا الخلق الذين تتقلب أهواؤهم بين عشية وضحاها.

إن الطبيب المسلم يعلم أن المريض الذي بين يديه هو إنسان ازدادت حساسيته خلال مرضه ، فأصبح محتاجا إلى أن يراعي نفسيته ، ويقدرها بقدرها ، ويتفهم مرضه بأناة وعدم تعجل ، ثم يضع يكشف له خطة علاجه ما دامت لا تؤدي إلى قلقه ، مع تقدير رأيه وإشعاره بالاهتمام به , وشرح النواحي الطبية له بأسلوب مفهوم لمستواه منعا لأي قلق أو سوء فهم لطريقة العلاج ، كما أنه يحفظ وقت المريض ويقدر ظروفه والتزاماته الأسرية وعمله ودراسته , ويحفظ سره وفق الضوابط الشرعية ، بحيث لا تضيع حقوق غيره , ولا ينسى الدعاء والرقية الشرعية للمريض ؛ فإن ذلك مما يزرع التوكل على الله في قلبه كما يوصيه بأن يستعين بالله وحده ، فإن لقضية الإيمان بالقضاء والقدر أثرها الكبير في العلاج النفسي . ويغرس في نفسه أن الشفاء بيد الله وليس بيده ، قال تعالى على لسان خليله عليه السلام : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) ، فيعلم المريض أن لا يشكو إلى المخلوقين ، وإنما يشكو أمره إلى الله الذي بيده الشفاء .

كما أن الطبيب المسلم يتعلم الأحكام الفقهية الضرورية لممارسة الطب, ومن ذلك على سبيل المثال: أحكام الطهارة والصلاة للمريض , وأحكام تناقل الأعضاء ، وأحكام العورات , ونحو ذلك .

وفي خضم عمله المضني المتواصل ، لا ينسى أبدا أن له أسرة تحتاج إلى تربية ورعاية ، فيقوم بشؤونها، وتنشئتها على الاستقامة ، والنجاح في دنياها وأخراها . وذلك بحسن تدبير الأمور ، وترتيب الأوليات ، وتنظيم الوقت وهندسته بشكل دقيق ومرض لجميع أطراف الحياة من حوله في توازن ناجح .

إن وظيفة الرسل كانت هي الدعوة إلى الله تعالى ، وإن الكلمة من الطبيب مقبولة حبيبة إلى نفس المريض ، فهو قد أتى إليه وهو حساس من كل ما يصدر عنه تجاهه ، فلكل همهمة من الطبيب معنى عند المريض ، ولكل نظرة أو بسمة أو تمعر في الوجه أثر بالغ في نفسه ، ولكل كلمة تنبس بها شفتاه خصوصية في الأخذ والتطبيق ، فيا ليت كل طبيب مسلم يجعل له نصيبا من الدعوة إلى الله ولو بكلمات قليلة يهمس بها في إذن مريضه . تقول إحدى المريضات : مازال صدى تلك الكلمات القليلة التي همست بها إلى طبيبة  في أذني يوم أن ذهبت إليها قبل خمس سنوات تقريبا أنشدها علاجا لصداع لازمني خلال مدة الاختبارات ؛ حينها نظرت إليّ نظرة عتاب وقالت بأسلوبها الرصين المؤثر : أتألمين لهذا الامتحان..؟؟ فما بالكِ بالامتحان الأعظم يوم القيامة ..؟؟ يوم نقف جميعنا أمام الله بذنوبنا في يوم لا ينفع فيه مال  ولا بنون ، إن في ذلك اليوم هو الذي يجب أن نألم له ونعد له العدة لا هذه الدنيا .   فيا ليت كل طبيب يهمس في أذن مريضه بمثل ذلك .

بل ليته يكون سفير دينه في اللقاءات الطبية العالمية التي يحضرها ، فتلك واحة من الدعوة إلى الله ، ومع عقول كبيرة تقدر الإيمان إذا عرفته حق قدره ، فهو بينهم أنموذج للمسلم الذي يعتز بهويته ودينه .. لا ينبهر ولا ينصهر في أي مجتمع آخر ، ولذلك يترك أثرا بالغا فيمن يستمعون إليه ، ومن عادة الغربيين  أنهم يتأثرون باعتزاز الإنسان بذاته ودينه قبل أن يتأثروا بكلامه ..

إن على الطبيب أن يكون قدوة أمام الناس في نفسه وأهله ومن يعول ، معتزا بدينه أينما رحل ، فإن الناس يتأثرون بالسلوك أكثر من الكلام ، وكثيرا ما انتقد الناس أطباء يدخنون وهم يتحدثون عن أضرار الدخان ، أو يحذورن الناس من بعض الأطعمة والأشربة وهم نهمون في تناولها ، فكيف إذا كان ذا مظهر مستقيم ، ووجد مرضاه في سلوكه مخالفات شرعية وأخلاقية وهو يمارس مهنته ، إن الناس يرقبون ذلك وقد يتقاعسون عن نصحه هيبة له ، فلجعل لنفسه عليها رقيبا من نفسه .

عفوا أيها الطبيب .. فما قصدت سوى أن أكافئك على كثير من المعروف الذي أسديته إلي وإلى أحبابي .. ولن أجزيك مهما فعلت .. فجزاك الله عني وعنهم كل خير ..



اترك تعليقاً