ماذا يضيف قصيدي ؟

سؤال طرحه الشاعر خليل الفزيع في أول شطر من ديوانه (وشم على جدار القلب)، وبالتأكيد لم يقصد معناه .. هكذا أزعم .. فإن الشعراء على مر القرون يرددون هذا المعنى من عنترة بن شداد : هل غادر الشعراء من متردم ! إلى محمد العمر الملحم : الأغاريد كلها ترديد ! والأناشيد ليس فيها جديد … !! ولكنهم لا يزالون يقولون ..

فهل من الأفضل إذن أن يتوقف الشعراء ؟ أم أن هذا القول ليس صحيحا من الأساس .. وأن الشعر لا يزال يعطي ؟!

فما مهمة الشعر ؟ عند خليل مهمته : سراج يضيء درب الحيارى ، تاج على مفرق الدهر ، ونسيم في حياته حين تعتكر الأجواء ، ومتنفس لحزنه، وتعبير عن سروره، ومرآة للمحبين يرون فيه أرق صور العشق التي يتراءونها في عالم الأحلام .. وهكذا قال في ديوانه ..

وطنياته تتراوح بين شعور بالأمة/المسلمة .. وبالوطن/المملكة .. وبالأرض/الأحساء التي تضم التراب الذي شهد ملاعبه في قريته/الجشة .. هكذا في تتابع يشي بتلاقي هذه الانتماءات في خطوط متوازية في نفسه ، لا تتقاطع أبدا.. على الرغم من أنه لم يعرف الاستقرار الدائم خلال حياته .. بل أقام في عدد من البلاد إقامات تجعله في كل مرة من أهلها ، ولكنه لم يزل يحمل الحب الخاص لقريته النائية في الجهة الشرقية من الأحساء .. وما أرق قوله :

بعضي تشتت في الأرجاء يا قدري

لكن بعضي إليك ظل ينجذب

حبيبتي في فؤادي كان موضعها

ولم تزل في كياني حلوة تثب

تلك التي عذبتني .. كلما غربت

عن ناظري أشرقت في القلب تنسكب

(الجشة) الحب تغريني مفاتنها

يزفها محتد للمجد ينتسب

كل هذا الحب لا ينسي شاعرنا (فلسطين) ، هذه المأساة التي لم تزل تصب لظى الألم المحموم في قلوب المسلمين .. وكأنه يسمع نواحها يصم آذان الصخر .. ولكنه لا يحرك طبلات آذان أحبابها ..

ناحت مآذن في الأقصى فما سمعت    لها صدى في مدى الآفاق ينتشر

ودمعة القدس سالت من محاجرها              من يستطيب الهوى والدمع ينهمر

ولأن الواقع السياسي العالمي هو في ركب اليهود .. ولا تعنيه دموع المحرومين، ودماء المنكوبين ، فإن الشاعر يهرب منه إلى بني قومه .. ولكنه    لا يجد في واقع أمته المتضعضع ما ينقذه ، فيستمر في هروبه إلى معالم الإيمان اليقينية .. التي تؤكد أن كف الشهيد التي ألقت الحجر قبل أن يتلقى صدره العريان رصاصة الغدر هي المؤهلة لرسم لوحة النصر بلون الحرية القاني :

نور من الصخرة الشماء طاف بها

يعطي الحجارة ضوءا .. ينطق الحجر

هذا الشهيد يلوح النصر في يده

يقدم النفس ، مقرونا به الظفر

وعد من الله أن يفنى اليهود وإن

طال الزمان بهم مأواهم سقر

والأبيات تحمل تناصا ظاهرا مع عدد من النصوص القرآنية والحديثية  في سورة الإسراء وفي صحيح مسلم ، لعل أظهرها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لتقاتلن اليهود ولتقتلنهم حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فاقتله )) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وحين يأتي ( عباد الله ) سيتحقق هذا النصر لا محالة .. والله غالب على أمره ولو كره الكافرون .. إذ لا غالب إلا الله ..

نعم الشعر العربي لا يزال يعطي .. وسيعطي .. مادام في شريان العربية دم يجري .. وما دام في شريان الإنسان العربي إيمان يغلي ..

نبض خليلي :

رائعة أنت

كروعة تلك السهول وتلك الوهاد

وتلك الليالي الحبالى بنفح العرار

وضوء القمر

وتلك الرمال التي لا تكل رحيلا

وعزفا إذا لامستها الرياح

كروعة كل المعاني الجميلة

وتلك الطقوس التي تشتهيها القبيلة

فأنت المحال وأنت الأمل 



اترك تعليقاً