قنبلة الطلاق 2

إن جذور الطلاق تبدأ في النمو منذ أول مشكلة تحدث، فإن وجدت ما يغذيها من الجهل بأصول حل المشكلات، والنزق والعادات الظالمة، والتدخل الأحمق ممن يبتدرون هذه الفرص البائسة ليرشحوا أنفسهم لها، بزغت برأسها من خلل التربة وشقت طريقها إلى الظهور، وإن توافر لها مبيدات مدروسة بعناية، تكافحها بيدٍ حذاق، محترفة، ذوت وماتت في خندقها، وسلمت أرضية الأسرة من التشقق بكرم من الله وفضل.

إن كل من يتصدر لقضية التوافق الزواجي من المختصين في مجال الاجتماع وعلم النفس والإرشاد الأسري، أو ممن يكون في مقام الإفتاء أو القضاء الشرعي، أو حتى أصحاب المقامات الاجتماعية المقبولة لدى المجتمع كأئمة المساجد ورجالات القبائل وشيوخها، ووجهاء الأسر، كل هؤلاء يواجهون سيلا عارما من الأسئلة حول الطلاق ربما بشكل يومي، يُشفع بطلب التدخل في المرحلة الحرجة، حين تنطلق قذيفة (طالق) غير عابئة بدوائر التخريب التي ستحدثها، ومقدار الضحايا، مما يدل على وجود تساهل خطير بكلمة الطلاق؛ حيث أصبحت أول الحلول التي تتسلق ألسنة الأزواج فور حدوث أي مشكلة ولو يسيرة، وهي استجابة سريعة لنزغ إبليس، الذي ((يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنت، قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمُه)) رواه مسلم.

وأكثر الأزواج وحتى الزوجات اللاتي يطالبن الأزواج في لحظة الغضب بالطلاق يندمون ويندمن عليها، وينطلقون في الأرض يبحثون عن مخارج لهذه الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيها.

ومن التساهل ـ كذلك ـ ما نراه في المجتمع البدوي بالذات من التوسل بالطلاق لإبداء الجدية في الدعوة إلى مأدبة، حيث يتورط كثير منهم حين يرفض الضيف الدعوة حتى لا تفوته مصلحة ما، وتقع الكارثة على رأس الأسرة التي لا ذنب لها البتة، وقد يخسر الرجل ما لا يمكن تعويضه.

والعجيب أن الدراسات تؤكد بأن الطلاق في الأميين قليل، بينما النسبة العارمة في المتعلمين، مع ما نعرف من وجود نسبة ليست قليلة من الأمية في بلادنا، ولكن هذا العجب يتلاشى حين نعلم بأن كل شيء نتدرب عليه قبل أن نمارسه، ما عدا العلاقات الزواجية، فلا تزال برامج التأهيل الواقية بإذن الله من الطلاق ضعيفة وقليلة نسبة إلى الاحتياج الهائل لها، فقد يكون الشخص دكتورا في تخصص دقيق من العلم، ولكنه لا يستحق حتى ما يعادل الابتدائية في فهمه للعلاقات الزوجية، وعلمه بخصائص الجنس الآخر.

ومن يتعامل مع قضية الطلاق قطبان؛ القاضي الشرعي والمرشد الأسري، ويجب أن يحتفظ كلٌ بدوره، فلا المرشد له الحق في التدخل في الفتوى الشرعية التي تحدد وقوع الطلاق من عدمه، كما أن القاضي الشرعي ليس لديه الوقت أو معرفة المختص في تحليل المشكلة اجتماعا ونفسا، وربما كان تدخل أحد القطبين في شأن الآخر من أسباب تعقد القضية ووصولها إلى الطلاق البائن، مع وجود القصد الطيب، والنية الحسنة عند كل منهما.

ولا شك بأن كليهما يحتاج تثقيفا ولو محدودا في شأن الآخر، ليعرف حدود دوره، ويحيل القضية أو جزءا منها إلى الآخر في الشأن المختص فيه.

وإن من الغائب الذي ينبغي أن يحضر لدى المرشد نظريات الطلاق، ومميزات أحكامه في الإسلام، ومخارج الأزمة، وحالات المطلق النفسية، وماذا يقع وما لا يقع، وكيف عالج الإسلام فجأة الطلاق بالمكث في المنزل، والعدة، وعدد الطلقات، وغير ذلك. كل ذلك لا ليقدم فتوى، وإنما ليفتح الفرصة أمام المستشير ليسأل أهل العلم الشرعي بناء على المعلومات التي لم يذكرها المستفيد لهم ظنا منه أنها ليس مهمة، وهي ذات أهمية تبلغ حدَّ إلغاء الطلقة وعدم احتسابها لو ثبت ذلك، مثل طلاق الغاضب الذي غاب عن وعيه، ولم يتذكر أنه طلق.



اترك تعليقاً