مدرسة الجريمة

يقول أحد علماء النفس: «إذا كان السجن هو جامعة الجريمة، فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث».. إن هذه المقولة على قلة ما تحويها من كلمات إلا أن فيها كثيرا من المعاني التي يجب ألا نغض الطرف عنها، وإلا بذلنا الثمن من أمننا وقوتنا وتماسك مجتمعنا.

الشاشات أصبحت بين أعين الناس في كل لحظات حياتهم؛ داخل البيت وخارجه، في جيب كل منا وسيارته وعمله، وما يطرح فيها ألوان مائجة من النور والظلمة، والخير والشر، والإصلاح والإفساد، وإذا كان بعض الراشدين وقعوا في حمأة الصور الداعرة، وأفلام الجنس التي تفرق بين المرء وزوجه، وتواصلوا عبر الشبكة بما يدمر البيوت الآمنة، أي أنهم لم يصبروا عن هذه الإغراءات، بل كبوا على مناخرهم في شباكها، فكيف بالشباب المراهق، غير المحصن.

ليس هناك وسيلة إعلامية غير مؤثرة، ولكن درجات التأثير هي التي تتفاوت، ولذلك لا بد من الحذر والبناء في الوقت نفسه.

إن التعامل مع وسائل الاتصال والإعلام بشكل مفتوح دون توجس أو رقابة، عملية فيها كثير من الاندفاع والمجازفة بأغلى المنجزات. ولعل أكثر الفئات العمرية خطورة في التعامل معها الطفولة، والمراهقة، فالطفل لا يفرق بين الحقيقة والخيال، وقد يعتقد بأنه يمكن أن ينجح في تقليد ما يرى أو يسمع من خوارق، ومغامرات، كما أن آلة التسجيل في عقله، والتي تتشكل من خلالها شخصيته، ومعجمه اللغوي، وسلوكه الشخصي، آلة لا تفرز ما تسمع، بل تتلقى كل شئ، وتستخدمه فورا، بينما أكثر برامج الأطفال المعروضة في شاشاتنا العربية غربية الصورة والمضمون، والدبلجة لم تستطع أن تنفي عنها سلبياتها، فيم أنها عند أكثر الناس مأمونة، أو مغفول عنها؛ لأنها مجرد برامج أطفال.

بل إن اختيارات الأطفال غالبا ما تميل إلى العنف والسحر والشعوذة والمغامرات والصراع، وهو يسيطر على أكثر من 90% من أفلام الرسوم المتحركة، والأفلام السينمائية.

إن أكثر من خمسين قناة للأطفال تبث من أوربا وأمريكا، بينما لا توجد إلا خمس أو ست قنوات عربية، بعضها غربي ينطق العربية.

وتبقى قنوات (مجد) و(بسمة) و(مواهب وأفكار) وحدها في ساحة الإعلام النقي الموجه مباشرة لأزهارنا الغضة، مع أنها تحتاج إلى مزيد من التطوير والاحترافية، وعلى الشاشة عدد من الشعارات الواعدة نأمل أن تكون في مستوى المأمول.

ولمن يشكك في الأثر الكبير الذي يوقعه التلفاز في المشاهد أنقل مقولة الباحث الإنجليزي هال بيكر المتخصص في غسيل الأدمغة عن طريق التلفاز، الذي يؤكد بأن غسل الأدمغة يجري عن طريق قوة الأفكار والصور والتأثيرات التلفزيونية والإلكترونية. “وفن غسل الأدمغة بواسطة التلفزيون يجري من خلال قوة (الإيحاء) وتلعب قوة الاعتياد عليه بشكل تدريجي بعد تواصل الإدمان عليه قابلية لدى الجمهور في تقبل ما يعرض من صور وأخيلة كواقع، فما يوحي به التلفزيون على أنه (الواقع) يتحول (واقع) في أذهان المدمنين المتلقين”. وبهذا يتداخل ما يعرض في التلفاز مع خيال الطفل ويحدد قيمه، بحيث لا يستطيع الوالدان إبعاد تأثيره عنهم، لأنهم هم أيضا متعلقون بأشعته الملونة الفاتنة.

إن اقتراح مقرر خاص بهذه القضية يدرس في مدارسنا أو جامعاتنا، هو إثقال جديد على كاهل طلاب الوزارتين، ولكن نستطيع من خلال البرامج الطلابية (النشاط غير المنهجي) أن نربي عيون طلابنا وطالباتنا على ألا تقبل كل ما تتلقاه، بل أن تكون ناقدة بصيرة، تأخذ ما يصلحها، وتلفظ ما يضرها.

وإن مشروع الملك عبد الله التعليمي الكبير، الذي تنهض به وزارة التربية والتعليم يحقق من خلال وجود أجهزة الحاسوب وتوافر الشبكة العالمية في الفصل الدراسي يعد مكسبا كبيرا؛ لتعريف الطلاب بالمواقع النافعة بحسب أعمارهم، وهنا أؤكد أهمية انطلاقة مشروعات مواقع للأطفال والشباب برعاية ودعم مباشرين من الوزارة؛ لتحقيق أهدافها.

وعلى مستوى الأسرة يجب أن نتدخل ـ نحن الآباء والأمهات ـ بحب وحزم لإقناع أولادنا لتشفير ما يضر وفتح وما يناسب والاشتراك فيما ينفع، فليس المال أغلى من أولادنا.



اترك تعليقاً