مسؤولية الشعب

جاءت الأوامر الملكية الثانية كالسحاب الأخضر، طاف بكل قلب، وأسعد كل روح، تعاملت مع الإنسان في احتياجاته المعيشية والسكنية، وتعاملت مع الإنسان في أمانه الوظيفي والأسري، وتعاملت مع الإنسان في وضعه الصحي والأمني، وتعاملت مع الإنسان في أمانه العقدي والتشريعي.

وتجاوزت ذلك ـ أيضا ـ إلى تأسيس هيئات تحفظ هذه الأمانات كلها بإذن الله تعالى، وحرست أعرض العلماء، وأعراض الناس جميعا بتعزيز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ صمام الأمان للمجتمع المسلم، ورفعت من شأن عمارة بيوت الله بصيانتها ودعم حلق القرآن والدعوة إلى الله في أروقتها المضيئة بذكر الله جل وعلا.

وكل منا سيفرح بها بقدر وعيه، وبقدر إيمانه.

فالشكر لله تعالى الذي تفضل على بلادنا بأمن كان ولا يزال محفوفا بقوته، ومدعما بتطبيق شريعته، وبفريضة إجلال حرمات الله بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهاز الذي لا مثيل له في أنحاء الأرض.

ثم الشكر الجزيل لملك نال حبا نقيا صافيا من قلوب شعبه، بتواضعه الجم معه، وحرصه على أمنه ورفاهيته، وتواصله معه في السراء والضراء، فشمخَ ـ من ذلك ـ سور لا كل الأسوار، سور أعيا المتربصين بجزيرة الإسلام المطمئنة، فكبت فرسانهم، ونبت سيوفهم، وتراجعت صفوفهم، وكلما هموا رجعوا بما لم ينالوا.

إن اللحمة التي بُنيت بين الحاكم والمحكوم، في بلادنا لم تبنها ديمقراطية مجلوبة، ولم تفرضها ديكتاتورية مجنونة، وإنما صيغت من ذهب لا يبلى ولا يتغير .. بل أغلى من الذهب وأجلى، إنها من كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ومن سنة فاضت بها أعظم نفس خُلقت، “بيتٌ بناه لنا المليك، وما بنى حكم السماء فإنه لا ينقل”.

فلنترك العالم في ذهوله من هذا التماسك الوطني، ولنعد إلينا! إلى الشعب الذي بايع حكامه على حكم الله تعالى، وإقامة العدل وحراسة الفضيلة، وتحقيق العيش الهنيء، كما بايعه على الطاعة في السراء والضراء، والمنشط والمكره.

كل ما ورد في الأوامر الملكية أولها وآخرها، ما جاء منها وما سيجئ، سيعود خيره إلينا بإذن الله، كما أن مسؤولية تنفيذه علينا.

فما الأمر؟

إن الملك ـ رعاه الله ـ حين يُصدر أوامره بكل هذه الخيرات لشعب وفيٍّ يستحق كل ذلك، يكون قد نقل أجزاء من المسؤولية المناطة بمقام الإمامة العظمى إلى مسؤولين كثيرين، عليهم واجب القيام بها كما يحب الله ثم المليك، وهؤلاء المسؤولون منا نحن .. الشعب، فأي تقصير في التنفيذ هو مسؤوليتنا، إلا أن يحاط بأحد منا، مسؤوليتنا أمام الناس الذين ينتظرون العيش الكريم، والتقدير الإنساني، الذي يكفيهم أسس الحياة؛ ليلتفتوا إلى الإبداع والبناء، بدلا من التشاغل بقيل وقال وكثرة السؤال، والنقد الهادم، وإيغار الصدور.

ميادين الحياة كلها مفتوحة، والعين الرمداء هي التي لا ترى إلا الأبواب المغلقة. دروب الإصلاح كلها معشوشبة مزهرة، والنفوس الحرجة هي التي لا تمشي إلا على الأشواك، ولا تقبض إلا على الهواء.

من أراد أن يكون له إسهام في الارتقاء بوطنه، وتنميته في أي جانب من جوانب الحياة فليس أمامه عقبة كؤود إلا التي هو يضعها، وأما العقبات التي اعتادت أن تعترض طرق التغيير الإيجابي، فإنها لا تزيد الطريق إلا نورا جديدا، وتأصيلا حميدا، وموردا عذبا، وكم فكرة كانت ضئيلة محدودة، فاعترضها حاسد أو ناقد، فأراد الله بها خيرا، فأطلق لسان الحسود بفضلها، ولسان الناقد بقصورها، فانتشرت ونقيت، وأتم الله عليها كرمه فنفع بها العباد والبلاد.

لا عذر بعد اليوم لأحد أن يسكت على فساد دون أن يبلغ عنه، أو أن يتخندق في حُفرة عجزه فلا يُسهم بما يستطيع في بعث نهضة عملاقة، يدا بيد مع حكومة بلاده، وأولياء أمورها، والمستقبل أجمل وأبهى، بإذن الله تعالى.



اترك تعليقاً