من القاعة إلى وزارة الثقافة

أخادع نفسي كل فصل دراسي لأتيح فرصة جديدة لإجابة تشفي سؤالا ملحا في خاطري منذ سنين، أطرحه على تلاميذي في قسم اللغة العربية؛ هو ببراءة: ماذا قرأت؟ والجواب ـ دائما ـ يئد جميع الأسئلة التي تليه.. كم قرأت؟ ولمن قرأت؟ وكيف تقرأ؟ وهل تحب القراءة خارج صندوق الجامعة؟

الإجابة عن سؤالي المتغابي: هي صمت مرير، وهمسات ووشوشات مشوبة بابتسامات تشي بعدم المبالاة، ليس ثمة رائحة ندم، وكأن السؤال مجرد نكتة فاترة، لم يستطع ملقيها أن يؤجج فيها روح الفكاهة القادرة على تفجير الضحك في مباسم المتلقين.

كان سؤالي غبيا جدا حين ظن أنه قادر على الحصول على إجابة مسعدة، من جيل لم يقصد بأي برنامج يجعله يهتم بالقراءة، فوزارة التربية والتعليم مشغولة بل مهمومة بتطوير المنهج الدراسي وتدريب المعلم لتخطو خطوة نحو التعليم التدريبي التجريبي، بعيدا عن التعليم التلقيني، وتلك مندوحة مهما طال السفر، فالأمل في الوصول كبير. ومن هنا فليست مهمومة بثقافة الطالب خارج أسوار المدرسة.

ووزارة التعليم العالي مشغولة باليوم الجامعي الأكاديمي الرتيب، ومشاكسات القبول والتسجيل، وآفاق التطوير التقني على استحياء، وليس لها أي برنامج يعنى بالطالب الجامعي خارج دوائر القلاع الجامعية الشامخة.

ووزارة الثقافة والإعلام، لا تزال مشغولة بالنوادي الأدبية، وعسر مولدها (نادي الأحساء أنموذجا)، وترتيب البيت الأدبي السعودي الجديد، على أسس وتصورات يحملها بعض مسؤوليها، ولا نجد في أجندتها المعلنة أي برنامج تثقيفي عام للشباب. وحتى الإعلام فيها لم يستطع استقطاب شباب البلاد ببرامج مبهرة ونافعة في الوقت نفسه إلا قليلا، بل هم أسرى شاشات عربية وأجنبية، تزرع الرذيلة في حدائق صدورهم الغضة، وتجعل من القتل بدم بارد، وأهاويل الرعب متعة شبابية لا ندري مداها في الحاضر والمستقبل.

حتى الأطفال ليس لهم أي برنامج تثقيفي عام، يوجههم إلى القراءة منذ الصغر، فيشبوا وهم أبعد ما يكونون عن القراءة، وحبها العذب، وجمالياتها التي لا تنتهي.

إني أدق ناقوس الخطر من قاعات الدرس الجامعي..

إن الجيل القادم ـ برغم الانفجار المعلوماتي وسعة الفرص المعلوماتية ـ سوف يكون أميا بمعنى الكلمة، إذا لم نعد إلى يديه الكتاب غير المدرسي من جديد.

إنني أدعو إلى مؤتمر على مستوى المملكة برعاية كريمة من قائدها الأول، ووالدها الحاني خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتشترك فيه كل الوزارات المعنية بالتعليم والثقافة والإعلام، لوضع استراتيجية متكاملة؛ طويلة الأمد، لبث روح القراءة في نفوس الأطفال والشباب والكهول والشيوخ؛ لتصبح القراءة إدمانا حقيقيا للشعب السعودي كله، الذي يمثل نجار الشعب العربي وأصوله.

مشاريع القراءة الشعبية في عدد من الدول الأجنبية والعربية تجارب يجب أن تدرس ويستفاد منها، ولكن لا تصلح للاستنساخ التام، لنحفظ لبلادنا خصوصيتها.

هذه السنة طرحت على طلابي سؤالا جديدا يمس المادة التي أُدرِّسها لهم، وهي مادة الأدب العربي الحديث في المملكة العربية السعودية، يقول السؤال: من تعرف من شعراء وطنك؟ فصعقت حين وجدت طلبة مختصين في اللغة العربية، وبعد أكثر من سنتين من الدراسة الجامعية، واثنتي عشرة سنة قبلها من التعليم العام، لا يعرفون إلا شاعرين أو ثلاثة من شعراء الفصحى، ومجموعة قليلة من شعراء العامية.

القضيتان توأم أمية؛ وحين نعلق أسباب هذه الأمية على الجيل نفسه، نكون قد هربنا من مسؤوليتنا نحن الكبار، ولن يكون ذلك حلا لهذه الأزمة التي تهدد مستقبل الثقافة في بلادنا إذا لم يتداركها المسؤولون في أقرب فرصة.

وإذا كان تقليد قائد البلاد لأديب سعودي أعلى وسام في الدولة دليلا قويا ورفيعا على اهتمام الدولة بالثقافة والمثقفين، فإن ذلك يدعو الجهات المعنية بالثقافة أن تعطيهم حقهم في وصول أصواتهم إلى كل فرد في هذا الوطن الغالي؛ ليكونوا قدوات ماثلة، بطبع كتبهم ونشرها بأسعار ميسرة، ووضع مسابقات للفتيان والفتيات لقراءتها.

نحتاج إلى عمل كبير جدا لتعريف أطفالنا وشبابنا ذكورا وإناثا بأجيال العلماء والأدباء والشعراء، في معارض خاصة، ومناشط تقوم بها كل مدرسة وكلية، وقصص للأطفال أبطالها شخصيات سعودية فاعلة ذات سيرة عطرة، تستحق أن تكون قدوة للأجيال.



اترك تعليقاً