مقرر التربية الأسرية

اعتاد المهتمون بأي شأن ثقافي أو اجتماعي أو تربوي أن يختموا لقاءاتهم ومؤتمراتهم وندواتهم العلمية بتوصيات، أصبح من المعتاد أن يكون بينها اقتراح مقرر دراسي جديد؛ لما يعلمون من قيمة التعليم النظامي في غرس شتلات القيم والفضائل والسلوك الحسن في النفوس الغضة. فالتعليم هو الفرصة الوحيدة أو تكاد أن تكون كذلك، التي تخاطب كل فرد في الجيل الجديد، من خلال مقاعد الدرس، ويبقى الانتفاع مرهونا بطبائع النفوس التي تماثل اختلاف طبائع الأرض، واستعدادها الفطري.

وكثيرا ما يحار واضعو المناهج التعليمية مع كثرة الطلبات وتنوعها، فهل يضعون للصحة مقررا؟ وللأمن مقررا؟ وللتربية العاطفية مقررا؟ وللتربية الأسرية مقررا؟ ولتنمية القراءة مقررا؟ ولمهارات الحياة وفنون التعامل مقررا؟ وللثقافة المرورية مقررا؟ وللفنون الإدارية مقررا؟ و…… وكل يجر النار إلى قرصه!!

فلا عجب أن أسجل فرحتي الكبرى باعتماد وزارة التربية والتعليم منهجا جديدا في (التربية الأسرية) لأول مرة، ضمن مناهجها التجريبية التي طبقت هذا العام على بعض المدارس الابتدائية والمتوسطة، وهو مما كنت أتمناه واقترحته ـ ضمن من اقترحوه ـ في ندوات ومؤتمرات علمية عديدة.

ولد هذا المنهج هذا العام، ومن حقه أن يأخذ نصيبه من التجريب والنقد، وهو ما أرادته الوزارة حين طرحته في مدارس محدودة.

خرج المنهج في ثوب يزهو بتصاميم غاية في الدقة والجمال والروعة، حتى إن الطالب والطالبة يتنقلان من لوحة إلى لوحة لا من صفحة إلى صفحة، وهو ما يجدد نشاط العينين، ويجعل لكل معلومة صورة ذهنية تركزها في الذهن، وتسهل تذكرها.

وفي الأسلوب استخدمت اللغة النفسية الحديثة التي تقوم على إلصاق الصفة المراد تأصيلها في النفس بالطالب نفسه؛ مثل: “ملابسي جزء من ممتلكاتي الشخصية، وكلما كبرت تصبح العناية بها من مسؤوليتي”، وأساليب أخرى شيقة.

كما قدمت هذه المناهج بوسائل تدريبية عديدة، مبتعدة عن السرد الممل، والتلقين المعتاد، ومنها: وضع الأهداف التي يُتَوقع أن يحققها الطالب، والمهارات التي يتقنها في أول كل درس؛ لتكون نصب عينيه وعيني الأستاذ أيضا، ومن استهدف أمرا، وحث نحوه خُطاه وصل بإذن الله إلى مبتغاه.

ومن الطرائق التدريبية كذلك: كثرة الأنشطة، والتساؤلات، والمقارنات، واستثارة التفكير والمساهمة في استكمال بعض الفقرات، وكأن الطالب يشترك مع المؤلف في استكمال مؤلفه.

ومنها: ورش العمل التي تجمع فيها الطالبة آراء زميلاتها حول موضوع ما، والتفكير الجماعي من أبرز وسائل تنمية الإبداع في التفكير.

ومنها: التدريب على التعبير عن أداء السلوك كتابة، ليتحقق هدفان تنمية الإبداع الكتابي، وترسيخ السلوك في الحياة الشخصية.

ومنها: تنمية الملاحظة والاستنتاج لدى الطالب، وعدم وضع المعلومة كاملة بين عينيه؛ ليبقى له إسهامه في مزيد من الأفكار.

ومنها: الألعاب التدريبية الشيقة، التي توصل المعلومة أو المهارة بالإيحاء، عن طريق المرح والمتعة.

ومنها: الجداول التربوية لتنظيم الوقت، وإدارة الحياة، ومتابعة تطوير السلوك.

ومنها: دراسة الحالة، بإثارة قصة شيقة، وطلب تقمص إحدى شخصياتها، أو طلب طرح رأي الطالبة في تصرفات شخصياتها.

ومنها: الأناشيد الشيقة، المحببة في هذه المراحل العمرية.

ربما استطاع هذا المنهج بشموليته التي ربما تكون مثار خلاف المختصين في المناهج، أن يلبي جميع اقتراحات المهتمين بالشؤون المهارية التي أشرت إليها سابقا إلى الحد الذي يسمح به حجم المنهج وطبيعة المرحلة الدراسية، فهو يخدم الصحة العضوية والنفسية، ويشير إلى الناحية العاطفية، ويضع للتربية الأسرية الأولية، كما ينمي بعض مهارات الإدارة المنزلية، بل ومهارات الحياة وفنون التعامل المختلفة.

إن كثيرا جدا من الكتَّاب هاجموا المناهج التقليدية بلا هوادة، وأنا أدعوهم الآن من خارج أروقة الوزارة، وأنا لا أنتمي لها نظاما، ولا ناقة لي فيها ولا جمل، أن يسهموا مع الوزارة في نقد هذه المناهج الجديدة نقدا بناء، يخدم الأجيال القادمة، وينصف المجتهدين في تخليص التأليف المنهجي من السير في طريق واحدة، هي حفظ المعلومة من ورقة صماء، لا لون لها ولا رائحة، فقد أصبحت المهارة تتبع المعلومة وقد تسبقها، وقد تغني عنها، كما أصبحت الورقة تنطق بما فيها من غير قراءة… إبداع يجب أن نعترف به وإنجاز يجب نحتفي به.



اترك تعليقاً