نحو جامعة تربوية

ثمانون عاما عمر التعليم التربوي في بلادنا .. حين بدأ أول معهد علمي سعودي .. والذي أصبح نواة لكليات المعلمين والمعلمات التي تحتضن اليوم أكثر من ربع مليون طالب وطالبة؛ تضخ في المجتمع السعودي سنويا آلاف المؤهلين لترقي مقعد البناء الأساس للعملية الحضارية التي تركض في مضمارها بلادنا العزيزة.

إذن نحن أمام القواعد التي ترتكز عليها جميع خططنا التنموية بجميع أنواعها واتجاهاتها، فمعلم المراحل التعليمية الأولية .. حتى الثانوية، هو الذي يصوغ عقل الطالب وانطلاقاته في جميع العلوم والمعارف التي سوف يختص فيها في المرحلة الجامعية وما بعدها، لذلك لا بد أن يكون إعداده راسخا قويا متينا مؤصلا، ذا أصلين كبيرين؛ العلم المعرفي، والإعداد التربوي للتعامل مع أعقد مخلوق، وأعظم مخلوق خلقه الباري عز وجل هو هذا الإنسان، بل مع الذي سوف يكون في مراكز اتخاذ القرار في المستقبل.

تلك هي المهمة التي تقوم بها، أو قل يجب أن تقوم بها كليات المعلمين والمعلمات والكليات التربوية الأخرى، حتى لا تبقى دوامة البيضة والدجاجة مستمرة في تعليل الضعف الدراسي الذي نشكو منه في تعليم البنبن بالذات، وتعليم البنات بعد ذلك، بين التعليم الأولي والتعليم الجامعي.

إن الأعداد التي تضمها هذه الكليات أكبر من أن تكون تحت مظلة وزارة تحت مسؤوليتها أكثر من خمسة ملاييين طالب وطالبة، وهي اليوم في حالة مخاض دائم للتغيير والتطوير والتعديل في جواب كثيرة تمس خططها ولوائحها وأهدافها.

ووزارة التربية والتعليم لا تزال تعاني من كثرة متعلقاتها، والتي يمكن أن تنفصل عنها؛ لتتمحض هي لمهمتها الأساس.

كانت كليات المعلمين تطويرا لمعهد المعلمين المتوسط ثم الثانوي، ولا تتجاوز الدراسة فيها سنتين اثنتين، وكل ذلك يجعلها دون التعليم الجامعي، أما الآن وقد أصبحت تعطي البكالوريوس في تخصصات كثيرة، تعطيها الكليات التربوية، وتعمل باللائحة الموحدة التي تعمل بها الجامعات السعودية، فهي إذن تعليم جامعي دون شك، فلماذا لا تنتقل إلى حيث بيئتها الطبيعية؛ وزارة التعليم العالي؛ ليتخرج الطالب في جامعة وليس في كلية، ولتطور برامجها من حيث البحث العلمي وتأصيل المناهج إلى ما يسمح لها بفرصة التقدم والتطوير.

إن عشرات الكليات للبنين والبنات متناثرة في بلادنا الشاسعة الأطراف، في ظل السياسة التعليمية الجديدة للملكة بإلغاء فروع الجامعات، يدعم فكرة تحويلها إلى عدة جامعات تربوية؛ بحيث توزع إلى عناقيد من الكليات بحسب توزيع المناطق ، أو حتى المحافظات الكبيرة، وفي ذلك من الإيجابيات مثل ما للإيجابيات التي على أساسها بنيت فكرة إلغاء الفروع من الجامعات، وتحويلها إلى جامعات مستقلة.

بل إن هذه فرصة ثمينة لفتح المجال لإنشاء جامعات جديدة بتكلفة أقل، وفرص أكبر لقبول الطلاب والطالبات.

ليست فكرة ( الجامعة التربوية ) جديدة؛ بل هي موجودة بالفعل في عدد من الدول، ولكنها لا توجد في الدول العربية، فلماذا لا يكون لنا السبق في إنشائها ؟

إن ذلك سوف يمثل مظهرا من مظاهر الاهتمام بالمعلم ، الذي يمثل بدوره حجر الأساس في العملية التعليمية.

سوف يؤدي إلى اهتمام أكبر ببرامجه التربوية والتعليمية؛ وهو ما سينطبع على الطالب، الذي يمثل مستقبل البلاد.

سوف يكون له أثر بالغ في تطوير البحث التربوي، والذي نحن في أمس الحاجة إليه، ونحن نخوض تجربة التعرف على حقيقة مجتمعنا وأمراضه لنشخصه علميا ، ثم نسعى لتحديد الدواء المناسب بدقة وبصيرة، بعد أن أتعبنا ميداننا التعليمي بالتجارب غير المدروسة، والتي تأتي ردة فعل لمقالة فلان، أو لاقتراح فلان، أو لتوقع نجاح مبني على حدس فقط، وليس على دراسة.

إننا أمام مقترح انطلق من عدة تربويين وكتاب، ولكن القرار العملي تأخر، ولعل في عدد (المعرفة) الصادر في جمادى الآخرة 1426هـ، تفصيل ودراسات رائعة، أظن أنها كافية لانطلاقة أكثر جدوى في ميدان التطوير الشامل والإصلاح الذي تشهده بلادنا في جميع مناحي الحياة.



اترك تعليقاً