نصف مرشد لكل مدرسة !!

نعم نصف مرشد تربوي لكل مدرسة.. ولا يوجد مرشدون في الجامعات إلا نادرا!! والمدارس والكليات تزداد، ولا تواكبها الأعداد الكافية من المرشدين والمرشدات.

هذه بعض حقيقة الإرشاد في التعليم العام والعالي سواء!! ثمانون عاما من التعليم كانت كفيلة بوجود قسم إرشاد في كل مدرسة ثم في كل كلية، وليس مرشدا واحدا أو نصف مرشد في كثير من مدارسنا!!

إن من يلاحظ حركة التسجيل في الجامعات، يلمح بكل وضوح تكالب الطلاب على الأقسام العلمية الأكثر فرصا وظيفية، ومادمنا محتاجين إلى ألوف المرشدين  والمرشدات، فلماذا تتأخر الجامعات في تخريج العدد الكافي منهم ومنهن؟!

إن الواقع الإرشادي ـ مع حرص إدارته في وزارة التربية والتعليم على تطويره من خلال خطة طموحة هذا العام ـ فإنه يحتاج إلى إستراتيجية، يكون من بينها توقيع  مذكرة تفاهم مع وزارة التعليم العالي، بحيث يتم افتتاح كليات إرشاد، وأقسام عالية لمنح الماجستير والدكتوراه في التخصص ذاته، كما يمكن تشجيع المرشدين على الالتحاق بالدبلومات الإرشادية بشتى وسائل التشجيع المادية والمعنوية.

إن من يستقرئ الواقع الإرشادي في المدارس فسيجد أن معظم المرشدين ليسوا مؤهلين علميا لعملية الإرشاد والتوجيه، ولا مدربين تدريبا كافيا، بل إن معظمهم يجهل المهنية في عمله هذا، ولا يتقن أبجديات دراسة الحالة، ولا يمتلك جاذبية المرشد، وقدرته على الوصول إلى نفس المسترشد، وفك مغاليق نفسه.

ولو استمعت إلى الطلاب لقالوا لك: إن الإرشاد في مدرستنا لا حقيقة له، بل قد تطلب مساعدة المرشد فيصرخ في وجهك، أو يعتذر عن الدخول في مشكلتك، أو يعتذر فورا بالأنظمة دون محاولة للإقناع، أو التمرحل في معالجة القضية!!

ولو استمعت إلى المرشدين القلة الموجودين حاليا، وسألتهم عن وضعهم، لأجاب بعضهم بأنهم دخلوا الإرشاد ليكون لهم راحة من عناء التعليم، فوجدوه العناء ذاته؛ لكثرة الأعباء الملقاة على رؤوسهم، مئات الطلاب لهم مرشد واحد فقط، وقد يكون مسؤولا عن مدرستين أو أكثر، والأعمال الورقية والحاسوبية، والتقارير، وربما كلف بأعباء أخرى!! فماذا تبقى من روحه لتضحك أو حتى تبتسم في وجه طالب يعاني من تفكك أسري، أو تخلف دراسي، أو ضغط من ظالم يتعقبه في عرضه، أو؟!!

فضلا عن أن الإرشاد ينبغي أن يكون متقدما خطوة أجل وأهم، وهي أن يسعى للبناء، والتطوير، وليس فقط للوقاية والعلاج، وتلك مرحلة لن نصل إليها بوجود مرشد واحد لكل مدرستين!!!

إن المتغيرات المتسارعة، وطغيان الاستخدام السلبي للتقنيات الحديثة، وضعف الوازع الديني، والفجوة الأسرية بين الآباء والأمهات وأولادهم، يزيد من تجدد المشكلات الطلابية وتنوعها وتناميها، في حين لا يوجد التأهيل الكافي لمواجهة تلك المتغيرات.

ولذلك فإن التقدم التعليمي ليس مقصورا على مجرد تغيير المناهج، أو اختصار المواد، أو وضع الحواسيب بين يدي الطلاب، أو حتى بناء المدارس الفخمة، ولكنه يتطلب المرشد الذي يمكن أن يجعل من كل ذلك عملية فاعلة لتطوير شخصية التلميذ، وصقل موهبته، وتنمية ذكائه، وفك ما استغلق في ذهنه من أبواب أوصدت بأيدي المشكلات النفسية والاجتماعية.

هناك سنستثمر كل ما أنفقنا من بلايين الريالات، وسنستثمر من هو أغلى منها، وهو الإنسان، الذي تبذل من أجله.

وليس واقع الإرشاد النفسي في الجامعات أحسن حالا، بل هو أسوأ حالا، حيث لا يوجد إلا ما يسمى الإرشاد الأكاديمي، أي ما يتصل بالعملية التعليمية فقط، وبمستوى ضعيف، وكأن الطالب ليس إلا مجرد مخزن معلوماتي، وليس نفسا لها أشواقها وطموحاتها وانكساراتها، ومشكلاتها، التي قد تقف أمامها فتحجب أضواءها المرتقبة، فيبكي الوطن لوفاة عقل مبدع، أو لإعاقة نفس تواقة، أو لتقهقر همة عالية.

الإرشاد ضرورة وليس ترفا، وإيجاد المرشدين والمرشدات وتدريبهم واجب وطني على جميع الجهات المعنية به، والتأخر في ذلك تأخير للتقدم في بلادنا.



اترك تعليقاً