وامعدلاه .. يا معالي الوزير !!

للمرة الثانية تتجدد كارثة (الاختبارات)، حتى لتحس وأنت تقرأ بعض الأسئلة في أكثر المراحل حساسية وأهمية/الثانوية العامة أن واضع/واضعة الأسئلة قد غاب عنه الحس الإنساني أو التربوي، بل تحس أنه وضع أسئلته ليتحدى جفون الساهرات حتى لحظة الاختبار، أو أنه وضعها لبرنامج من يربح المليون؟

هذا ما اندلع في رأسي بمجرد اطلاعي على أسئلة التاريخ للشهادة الثانوية ـ القسم الأدبي، وهو تاريخ عزيز على قلوبنا، وحبيب إلى نفوسنا، إنه تاريخ بلادنا، الذي نتوقع ـ ومن روح المواطنة البحتة ـ أنه كان ينبغي أن نحبب الطلاب والطالبات في درسه، وأن يختم لهم فيه بخير، لا أن يتحول إلى فأس شرسة بيد واضع الأسئلة أيا كان رجلا أو امرأة، ليهدم به (معدًّل) المستقبل كله.

ولم لا وشهادة الثانوية العامة هي التي تحدد دخول الطالبة في الجامعة والحصول على مقعد فيها بعد مشوار من الهم والتعب والعذاب مع مناهجنا الطوييييلة جدا؟

كل مادة في هذه المرحلة تمثل مستقبلا كاملا.

كل اختبار في الثانوية العامة يمثل عمرا تعليميا، ونتيجة حاسمة لها انعكاساتها النفسية الرهيبة على نفسية الفتاة، ونفسية أهلها، قد يصل إلى أمراض مزمنة، أو تصرفات لها ما بعدها!!

تقول إحدى المراقبات .. كنت أشاهد البنات وهن في غاية الدهشة يصرخن: لقد حفظنا المقرر كله .. سمعوا لي إن شئتم .. ولكني لا أدري ماذا يريد السؤال؟

ومجموعة من الطالبات بدأن في نتف شعورهن من الألم النفسي والقهر، وتتابعت الإغماءات في بحر من الدموع والآهات والشهقات … !

هل الاختبارات حرب ضروس أم مجرد تأكد من استيعاب الطالب والطالبة للمنهج؟

إنني أطالب بالتحقيق مع واضعي مثل هذه الأسئلة التي ثبت في عدد من المناطق صعوبتها البالغة، أو غموضها، ثم إذاعة نتائج التحقيق أمام الناس؛ احتراما لمشاعرهم. بل لا بد من إعادة التصحيح، أو إعادة الاختبار ولو بعد آخر يوم في الاختبارات، على أن تكتب الأسئلة المناسبة.

والسؤال المجهول الإجابة لمعظم الناس : من يضع الأسئلة ؟ فرد أم لجنة؟

ومن يراجعها ؟ المختصون بصحبة تربويين يتمتعون بحس الرحمة الإنساني؟ أم إداريون لم يعرفوا غير الأرقام والحسم والرفض والـ…؟

إن أسئلة التاريخ التي أشير إليها ـ بوصفها أنموذجا لمثلها ـ هي مجموعة من الألغاز، حتى صياغتها، تذكرني بفوازير رمضان.

فبينما كتابة المذكرات الصغيرة، والأسئلة المقالية أنسب في مثل هذه المواد، إذا بواضع الأسئلة يتجه إلى الأسئلة ذات الإجابات التي لا تتعدى كلمة واحدة، مختبئة بين السطور، فمن ندت عنها هذه الكلمة ضاعت درجتها، أو ينحو منحى التعجيز بالسؤال عن التأريخ للأحداث في كتاب فيه مئات التواريخ، هل يظن هذا السائل أن العقول المجهدة التي تجلس في اختبار حساس ومربك في هذه المرحلة الخطرة هو (حاسوب آلي)؟ وأنا أسأله هل يفيد الطالبة أن تعرف متى تم ميثاق الشرف الإعلامي، أم ماذا يعني وكيف نستفيد منه؟ هذا على سبيل المثال مما ورد في الأسئلة التعجيزية؟

واضع الأسئلة لم يراع الطالبة نهائيا بل راعى المصححة؛ ليخفف عنها عبء التصحيح بقلة الكلمات، أو أن تكون الإجابة مجرد رقم، بينما كانت الأسئلة الموضوعية تتيح فرصة أكبر للطالبة لتكتب ما تذكره من محفوظها، وتحصل ولو على جزء من الدرجة.

احتوت الأسئلة الأربعة على ستة وثلاثية فقرة، بعضها يحتاج إلى إجابة ذات تعداد، فكيف سيتوزع ذهن الطالبة الذابل على كل هذه الفقرات، وكيف سيستحضر كل هذه المعلومات، ثم يرتبها، ثم يكتبها، ثم يراجعها.. حقا تعدد الفقرات يتيح الفرصة أكثر لمن لم تعرف سؤالا أن تعرف الآخر، ولكن ليس إلى هذه الدرجة من الكثرة المشتتة للذهن.

المادة تاريخ، وليست نحوا، ولا صرفا، ولا بلاغة ..، والأصل فيها الرواية والمعلومات ذات الصفة الحكائية، ولكن الأسئلة كانت تتوزع بين أعطي المسمى لكذا، ومثلي لكذا، وأكملي الفراغات، وصححي ما تحته خط، وأرخي لما يلي، واختاري الإجابة الصحيحة، وعللي، وعددي واكتبي، ووضحي..                            كان الله في عونكن .. أيتها القوارير الرقيقة!

والسؤال الواجم في الشفاه المتيبسة، والحناجر التي ارتفعت بأدعية شتى صباح ذلك اليوم ومساءه .. ماذا سيصنع معالي الوزير لبناتنا؟



اترك تعليقاً