ورأيت في أستانبول2

بين الرداء اللؤلؤي المتموج فوق مضيق الباسفور، والمآذن الشامخة على شواطئه وشواطئ كل شارع في (استانيول) تداعت خواطري، بل تلاطمت، وأنا أشهد النقائض تصطرع في عيوني، السياح كالنهر الجاري لا يتوقف، كل يسير لا يلوي على أحد، حتى التحية لا تكاد تسمعها من أحد إلا إذا احتاج لأحد، يكاد يلتصق به في (دور) أو (حافلة)، ولكنه لا يبادله حتى نظرة!! تعلوهم قسمات تبوح بما يعتلج في دواخلهم، وتشكل مظاهرهم كل الأطر والأديان والتوجهات التي يعيش داخلها المسلمون وغير المسلمين في الأرض، حتى لا تكاد تفقد أحدا!!

هناك رأيت كيف يمكن للسياحة أن تكون مورد جذب لا حدود له، ولو في جو صيفي حار، فالمناظر الخلابة، والأسواق المتميزة، الملونة بالألوان المحلية، وصناعة المشروعات الجاذبة، والمتاحف التي لا مثيل لها ـ على الإطلاق ـ في العالم، كل ذلك يجعل من السياحة طعما آخر.. بل إن المدن السياحية يمكن أن تخلق وتبلى في أعين الزائرين حين تجمد على مشروعاتها السابقة، وهو ما حدث لي في الزيارة التوأم لإحدى الدول العربية التي كانت موطن جذب منذ فترة، فحين سألت عن مواطن السياحة فيها عددوا علي تلك التي زرتها قبل أكثر من سبع عشرة سنة، ولم يزيدوا غير مجمع تجاري نجده الآن في كل محافظة من محافظات بلادنا!! بينما تجد في استانبول ما لا حظه الأستاذ أحمد الوصالي، كما أشار في رسالة حاسوبية “كنت في زياره لتلك المدينه وقد لاحظت فعلا ماتطرقتم إليه في مقالكم، وأحب أن أضيف  ملاحظة؛ وهي تطور السياحة في تلك البلد، حيث سبق لي زيارتها من أكثر من عشر سنوات، ولاحظت الفرق الكبير في صناعة السياحة إن صحت تسميتها بدلك، وأتمنى أن  يستفاد من تلك التجربه في صناعة السياحه في بلادنا”، وأضم إلى صوتك صوتي، فعلى مستوى المملكة كثيرا ما نظن أن الجو عائق عن جذب السياح، والواقع غير ذلك، فإن الناس يقفون دورا طويلا، يتقاطر منهم العرق؛ ليذهبوا في رحلة بحرية والشمس تتربع فوق الرؤوس، أو ليدخلوا متحفا طارت شهرته في الآفاق، أو ليشاهدوا شجرة تاريخية بذلت الجهود للحفاظ على حياتها عشرات السنين.

نعم نحن في حاجة ماسة أن نصنع السياحة في بلادنا بمفهومنا للسياحة النظيفة، التي لا تخدش دينا، ولا تصطدم حياء، وبلادنا فيها إمكانات سياحية لا تملك بعضها استانبول ولا غيرها، ولكن هل استفدنا منها؟

إن جبلا مثل جبل قارة في الأحساء بقي قرونا وهو لا يثير في رجال الأعمال أية شهية للاستثمار، بل قل حتى جذبه لأهل الأحساء، فلا نكاد نزوره للاستمتاع والتفكر إلا إذا زارنا ضيف من خارج الأحساء، لكن جبلا صغيرا، مثل جبل السلطان في استانبول، تحول إلى منطقة جاذبة، يحتشد لها السياح، حين وضعت له عربات معلقة لا تستمر أكثر من دقائق معدودة، وحين يصل السائح يرى ما لا يراه المطل من فوق جبل القارة، ولكن سيجد أيضا مطعما يتغدى فيه، ومقصورة تضمه وأسرته في أجواء رقيقة هادئة، ومستراحا يرتشف فيه قهوة وعصيرا …

ولعل مسابقة العجائب العالمية التي تقدمت فيها الأحساء، جددت في نفوس الناس الرغبة في زيارة الجبل العجيب، فازدحم بالناس مجددا، أقول: ربما يثير ذلك في نفس مستثمر رغبة جديدة لتحويله إلى منطقة سياحية، تكتنفها الخصوصية التي تجعل منه مرغوبا من العائلات، التي هي أدرُّ على رجل الأعمال من غيرهم.

حقا.. إن “استنبول خبرها عجيب” كما قال الشيخ طارق الفياض، في رسالة هز بها جوالي، وسعدت حين استطعت أن أكون محور نظر أستاذ الجيل: مبارك أبو بشيت حين أرسل يقول:”قرأت مقالك الوجداني عن استنبول، فرأيت بعينك تلك البقعة، وتلك الحقبة التاريخية الزاهرة، فأحسست بإحساسك”. والشكر لكل من شاركني الرؤى، والأحلام، ولا يزال في جعبة هذه الرحلة مزيد، أرجو أن يوفقني الله لذكره في مقالتي القادمة بإذن الله تعالى.



اترك تعليقاً