الأستاذ محمد الصويغ شاعر رقيق ، تحس بغموض شاعري يكتنفه ، هكذا تراه حين تقابله ، وحين تقرأ شعره ، وحين تقرأ قصصه ، وحين تهاتفه ، تحس أنه يريد أن يقول شيئا وراء ما يقوله لك .. ربما لأنه حساس لا يريد أن يجرح أحاسيس محدثه بحساسية مرهفة فوق العادة ، أو لأنه شغوف بالصمت .. هذا الكائن الذي قل من يعرفه اليوم .. أو لأنه يعيش في رحلة دائمة مع التأمل والقراءة في دفتر الحياة .. أو أنه ..
لست أدري ـ بالضبط ـ لماذا بدأت بهذه المقدمة .. ربما لأنقل إحساسا رهيفا نما إلى خاطري حين اتصلت هاتفيا بالأستاذ الصويغ لأتأكد من وصول ورقات مقالتي الأسبوعية .. فإذا به يبتدرني فيقول : وصلت الخفقة ..
هنا أورقت من حولي أغصان الخريف ، وتدلت فاكهة الصيف ، وماست أشجار الربيع ، وهلت غيمات الشتاء .. أحسست بالفصول الأربعة كلها تشاركني في عرسي الغريب .. ما الذي حدث ؟
وصلت الخفقة ..
أليس هذا يعد حدثا عاديا يتكرر كل أسبوع على الأقل منذ أعوام ؟!
أليست الإجابة متوقعة .. لا تتحمل كل هذه المهرجانات المفعمة بالفرح ؟!
لا .. لأول مرة يقول الصويغ (( وصلت الخفقة )) ، فهو في كل مرة يقول : وصلت المقالة .. وصلت ورقتان أو ثلاث .. وهنا يصهل الفرق .. يتناثر الورد .. تغتسل الحياة من ماديتها .. لذلك لأول مرة أحس بكل هذه الأحاسيس وأكثر ..
واندلع سؤال عنيف .. ترى
هل وصلت الخفقة حقا إلى قلب كل قارئ ؟
هل امتزجت بعض حروفي بدمائه ؟
هل أحس لها وجودا في فكره ؟
هل استطاعت أن تقتحم واقعه ؟
أعلم أن قوما من الكتاب يعيبون على من يحمل هم التوصيل ، ويرمونه بالتخلف ، ويرون أنه إنما يكتب للناس وليس للفن ، وأنه يفقد أهم سمة من سمات الأسلوب العصري وهو الغموض ..
ولكن ما لي ولهؤلاء ..
إن الكاتب الذي يحمل هم التوصيل ، ويعرقل ذلك أسلوبه ، ويعقل صوره ، ويزور أحاسيسه ، ويهبط بفنه ، كاتب ضعيف مهما كانت جودة مضامينه ..
لكن الذي يكتب وروحه تتلبس كل حركة وسكنة من كلماته ، وتغرد عصافير قلبه فوق كل غصن من أغصان أدبياته ، وتنطلق عباراته من روضة مشاعره ، هو الكاتب القادر على الوصول إلى عقل المتلقي ونفسه ، مع احتفاظه بأدوات فنه ودرجة ناجحة من درجات الفن الرفيع .
نعم ما لي ولهؤلاء .. الذين عزلوا أنفسهم عن الواقع باسم الواقعية ، ونفروا المتلقي وهم يعلمون ألا أدب إلا بمتلقين .
سوف أكتب بعيدا عن هم التوصيل ، لأنه هم لا يمكنني الخلوص منه
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.