ولادة جمعية الأدباء

قبل أكثر من ثلاثة عقود على الأقل ذكر الأستاذ حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ أنه كان في مؤتمر أدبي خارج الوطن ، فجرى انتخاب أمين عام للأدباء العرب ، وعند فرز الأصوات استبعد صوت ممثل المملكة ؛ لأنه لا رابطة لهم في بلادهم، فكتب حينما عاد ينادي بإنشاء رابطة ما للأدباء تضم الصفوة من حملة الأقلام ومثقفي البلاد ، وتهيء لهم الاتصال والاجتماع والبحث في شؤون الثقافة والمعرفة([1]).

وأنشئت ـ فيما بعد ـ الأندية الأدبية عام 1395هـ .. بتوزيع إقليمي ، بحيث تحاول خدمة الأدب والأدباء في محيطها الجغرافي ، وقامت بشيء من الدور المناط بها خلال ثلاثين عاما ؛ وتلقت ـ ولا تزال ـ كثيرا من العنت من جراء مهاجمتها أكثر من تلقي الشكر والتقدير على أعمالها الجليلة مهما قلت أو تبادر إليها التقصير ، ولكنها   ـ بطبيعة وضعها الإداري ـ لم تستطع أن تقوم بالدور الذي ينتظر من رابطة أوجمعية تجمع كل الأدباء السعوديين في بوتقة واحدة ، دون أن تصادر اختلافهم في توجهاتهم الفنية مهما كان الخلاف بينها.

وفي وقت واحد ارتفع صوتان ، الأول من مهبط الوحي ، من جامعة أم القرى ؛ لإنشاء الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي ، والآخر من عاصمة البلاد من مجلس الشورى ؛ لإنشاء رابطة الأدباء السعوديين ؛ ليلبيا حاجة باتت ملحة في زمن التكتلات الفكرية والأدبية والسياسية .. بل والتاريخية والجغرافية والعلمية بشكل عام.

وفي مساء الأربعاء الزاهر 20/2/1426هـ اجتمع نحو من مئتي أديب سعودي أو أقل بقليل في رحاب جامعة أم القرى بمكة لينتخبوا مجلس الإدارة الذي سوف يعيد النظر فيما اتخذته اللجنة التأسيسية للجمعية ، وتم ذلك في جو حميمي جذاب ، وصل فيه المنتدون إلى اختيار تسعة منهم ، ثم وعلى الفور بدأت الجلسة الأولى.

لم يكن هذا الحدث نتيجة اللحظة .. بل هو وليد تخطيط استمر أكثر من خمس سنوات ، حيث نشأت الفكرة في كلية اللغة العربية في الجامعة ، ووضع الأساس بأن تعمل تحت إشراف جامعة أم القرى في مكة المكرمة ، وتمارس أنشطتها للنهوض بالفنون الأدبية، ورفع المستوى الأدبي في مجال اهتماماتها.

والأهداف الكبيرة التي وضعت أمامها تشمل تنمية الفكر العلمي في مجالات الأدب وعلومه، وتحقيق التواصل العلمي لأعضاء الجمعية ، وتقديم المشورة العلمية في حقل الدراسات الأدبية والنقدية ، وتطوير مهارات الأداء المتصلة بفن الكلمة ، ومد جسور التواصل بين الهيئات والفئات المعنية بالأدب والأنشطة الأدبية، وتعميق الإحساس بالفن الأدبي وتذوق جمالياته، والارتقاء بالأشكال الأدبية الحديثة والوقوف على صلتها بالتراث.

وتعد الجمعية بالكثير من المناشط من دراسات وترجمة وندوات وأمسيات ودوريات ومشاركات دولية ، ودعوة للعلماء والمفكرين ، وسوف يكون من أوليات هذه الجمعية إنشاء موقع على الإنترنت ، وفسح المجال أمام الأديبة السعودية للمشاركة بعضويتها، وبناء الجسور بين الأدباء السعوديين في جميع المحافظات والمناطق ، وتشجيعهم على الاشتراك والعضوية.

إن هذه الجمعية تمثل حلما طال انتظاره منذ عقود ، وآن القطاف ، وإن المحافظة على الإنجاز أهم من الإنجاز ذاته ، ولا سيما أن الدعم المادي مقترن بالاشتراكات العضوية ، والهبات والعوائد من الإصدارات التي تصدرها، مما يحتم ضرورة تجاوز هذه العقبة بأن تقوم الجامعة المنشئة بالدعم المادي أيضا ، وتقوم وزارة الثقافة بالدعم أيضا؛ حتى تبقى هذه الفكرة التي أصبحت حقيقة حية نابضة بالجمال.

إن الأدب السعودي يعاني من مشكلات كثيرة ، من أبرزها النشر ، واعتلاء الزبد فوق الجواهر حتى أسقط هيبته في أنظار النقاد من خارج البلاد ، وانعدام الترجمة وضعف التعريف به في خارج حدود اللغة ، وشعور مستحكم من الأدباء بأنهم يغردون ويغردون .. ولكن ليس هناك من ينصت إلى أشجانهم.

على هذه الجمعية مسؤولية كبرى .. وهي تتعامل مع أرباب الكلمة .. الذين من الصعب استرضاؤهم .. فإما أن تبدأ بقوة وتواصل بقوة غير عابئة بالنقيق .. وإلا ….



([1]) الأندية الأدبية في المملكة ما لها وما عليها ، تحقيق سعيد أبو ملحة ، الحرس الوطني جمادى الأولى 1409 ديسمبر 1988 ، ص : 73 .



اترك تعليقاً