وهل ينطفئ الشوق ؟

بعد صخب شهور متطاولة .. ركضنا فيها في اتجاهات عديدة ، وتحملنا فيها تبعات عظيمة ، يهل علينا الشهر الكريم ؛ ليغسل قلوبنا ، ويريح أعصابنا ، ويهديء أنفاسنا ، والسعيد من عرف حق شهره فلم يختمه إلا برضوان الله عليه ، وعودته إلى نقاء الطفولة ، وعزيمة الشباب ، وإنابة الشيوخ .

رمضان شهر البركات ، المؤمن فيه دائم التعلق بالله ، قد خفف عن قلبه أثقال الأرض ، وتبعات الدنيا ، قد ألجم الصوم شهواته ونزواته ، وتعلق بالمسجد ، فإذا دخله لم يرد الخروج منه إلا لحاجاته ، وإذا خرج فإن قلبه يبقى معلقا به .

نعم لقد حل رمضان في بيوتنا ، وهي تحفل بكثير من السمات الطيبة ، والأعمال الخيرة ، ومن طبيعة رمضان أنه تزيد فيه فرص الخير والبر ، ويتبارك فيه الوقت والعمل والأجر .

ولكن رمضان حل في بيوتنا ، فرأى ـ أيضا ـ بعضها مشوبة بالتقاطع والتنافر وضعف العلاقات بين الوالد وولده ، والولد ووالده ، بين الزوج وزوجته ، والزوجة وزوجها ، بين الأرحام بعضهم مع بعض .

فهل يكون لرمضان لمسة الجمال الساحرة ، التي لا تمر على أمر من أمور حياتنا ماتت دهشته ، إلا بعثت فيه رائحة الحياة من جديد ، وهل سوف ندع لرمضان أن يغسل دواخلنا حتى تنقى من كل دفائنها المريضة ، وهل سوف نرحب برمضان ترحيب الصادقين المحبين للتغيير الأفضل في كل علاقاتنا الاجتماعية ؟

هذا ما ينبغي أن نستشعره في هذا الشهر الكريم ..

إن كل شيء يتغير حاله في هذا الشهر المبارك ، حتى العبادات ، ألا ترى ـ على سبيل المثال ـ كيف أن أجر العمرة فيه مثل أجر الحجة ، لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ قَالَتْ أَبُو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا قَالَ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي .

وقل مثل ذلك في سائر العبادات ، ولا شك أن إصلاح ذات البين من أجل العبادات ، وأعظم القربات ، ولاسيما إذا كان الأقرباء يعيشون في بيت واحد ، وتحت سقف واحد .

إني أقول ذلك ، وجعبتي مملوءة بأسئلة الناس الممضة ، التي تحمل آهات المعذبات تحت سطوة الزواج ، وآلام الصابرين على أذى الزوجات ، وفجائع الآباء والأمهات في فلذات الأكباد ، وشكاوى الأولاد من جرائر تعاملات آبائهم وأمهاتهم .

فالكل يشكو ، ولا وقت للتفاهم ومراجعة الذات ، والتبصر بالعلم والفطنة والرأي السديد .

كل يقول : هذا حقي فكيف أتنازل عنه ، والمخطيء هو فلم لا يستسلم للحقيقة والعدل ، حتى ضاع الأمر ، وتشتت أسر ، وكثرت حوادث الأحداث ؛ حتى امتلأت بهم الإصلاحيات ، وبلغت حالات الطلاق في عام واحد في بلادنا عشرة آلاف وثمانمائة حالة، تمثل أكثر من ربع حالات الزواج في أكثر المناطق ، بل تزيد في بعضها .

فهل سينتظر كل واحد منا حتى تتفاقم مشكلته لتكون بهذا القدر من الضخامة والنتيجة .. يا رب سلم .. ولكن ما يحدث لغيري قد يقع لي ، ما دمت أسير على الخط الذي سار عليه ..

رمضان حل بيننا .. فلما لا نستفيد منه في إعادة بناء أسرنا ، وترقيع ما انفتق منها ، أليس هذا هدف يستحق أن يوضع أمام أعيننا لنسعى إلى الوصول إليه ؟؟!!



اترك تعليقاً