فيما بادرت أسر سعودية عدة إلى إقامة حفلات الزواج الخاصة بأفرادها في وقت مبكر من المساء، وذهب بعضها إلى إقامتها خلال ساعات النهار، مع التنويه إلى هذا التوقيت في رقاع دعوات الزواج وسط التزام جميع المدعوين بالموعد، رأى مستشارون وخبراء في الشأن الأسري والزواج، أفضلية «التبكير» في وقت حفل الزواج، مؤكدين ضرورة بدء التغيير الإيجابي نحو «التبكير» في حفلات الزواج، ورأوا أن ذلك يحقق مصالح اجتماعية وحتى اقتصادية عدة، متفائلين بأن تأخذ هذه المبادرات التي ما زالت تحمل الطابع الفردي مجراها بالتدرج بحيث تتبعها مزيد من الأسر وتصبح بالتالي عادة اجتماعية تحل محل حفلات الزواج المتأخرة التي تبدأ عادة بعد صلاة العشاء وتستمر حتى ساعات الليل المتأخرة وأحيانا حتى قبيل الفجر بقليل.
واعتادت الأسر السعودية على بدء حفلات الزواج في وقت متأخر أي نحو الـ10 مساء، وغالبًا ما يبدأ ظهور العروس في حفل زفافها عند منتصف الليل، وهو ما رأى بعضهم أنه أمر مرهق ومربك، ومكلف كذلك، ودعوا إلى إقامة تلك الحفلات في وقت مبكر، وإن كان هناك من اعترض على الأمر بداعي أنه يتعارض مع أوقات الصلوات (العصر والمغرب والعشاء).
تأثير سلبي
يؤكد الخبير في الاستشارات الأسرية، الدكتور خالد الحليبي آل بن زيد، أن ظاهرة التأخر في حفلات الزواج إلى قريب من الفجر تؤثر بشكل سلبي على العلاقات الأسرية، والواجبات المنزلية، فالزوجة تتأخر عن زوجها، وعن أولادها، في وقت الأصل فيه أن تسكن فيه الأسرة وتخلد إلى النوم والراحة.
وقال «لك أن تتصور أن الرحلة تبدأ بالذهاب إلى صالونات التزيين النسائية منذ العصر للاستعداد لحضور الحفل، ثم حضور الزواج الذي يمتد حتى الفجر، بينما لو انتهى الحفل في الساعة التاسعة ليلا لكان ألطف بالصحة والأسرة معًا»، لافتًا إلى أن الناس اعتادوا التأخير فقط، وأصبح السهر ثقافة في المجتمع رغم كل عوائده الصحية السيئة.
ازدحام المواعيد
يرى الباحث في الشأن الأسري والزواج، الدكتور أحمد اللويمي أن «مفهوم التبكير في دعوة الزواج مرتبط بشكل رئيس بالتوقيت الصيفي أو الشتوي، فلا بد من مراعاة ذلك، فالمساء في الشتاء طويل على عكسه في الصيف حيث يكون قصيرًا».
وأكد أن «التبكير محبب ومطلوب لمراعاة أوقات الناس، خصوصًا ليالي نهاية الأسبوع، حيث تزدحم المواعيد، فيكون التبكير جميلًا لتمكين المدعوين من الجمع بين أداء واجب المشاركة وتلبية احتياجات الأسرة والأصدقاء، ويصبح التبكير أمرًا محببًا ومرغوبًا، إذا ما تم اختصار الدعوة على المباركة، فذلك يخفف من عبء الانتظار الطويل قبل أو عند الحضور، ويجب ربط مفهوم التبكير في الدعوات بمفهوم احترام الزمن وضبط الوقت لأننا نعيش في زمن متسارع ومزدحم بالمشاغل والارتباطات، فالالتزام بالتبكير وبوقت الوجبة، والدعوة أمر ضروري ومطلوب».
استنفار في الليلة
يجزم أستاذ الدراسات الإسلامية، الدكتور عبدالإله الملا، أن نظرة الإسلام في التبكير في الأعمال، والمتتبع للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة يجدها تحث الإنسان على تبكير الأعمال، وأن يؤديها على أكمل وجه.
ولفت إلى أفضلية التبكير في حفلات الزواج في وقتنا الحالي، مشيرًا إلى أن «الزواجات في الماضي في كثير من مناطق المملكة، ومنها الجنوب، والأحساء، كانت تبدأ من العصر، وبعد المغرب تقدم وجبة العشاء، وينصرف المدعوون بعد صلاة العشاء، ولم يكن هناك تأخير في حفلات الزواج سابقًا، كما يحصل في وقتنا الحالي حتى ساعات متأخرة من الليل، وتحديدًا في حفلات النساء إلى الفجر، وفي ذلك مشقة عظيمة على كثير من الأسر، وتحول المنزل إلى حالة استنفار في تلك الليلة، انتظارًا لعودة النساء إلى منازلهن بالسلامة، وفي ذلك إشكاليات وضرر عليهن».
ودعا إلى ضرورة التبكير بالبدء والانتهاء مبكرًا، موضحًا كذلك أن تأخير وجبات العشاء كما يحدث حاليًا في حفلات الزواج له أضرار صحية على جسم الإنسان.
ليلة العمر
خلاف من يؤيدون حفلات الزواج المبكرة، يعتقد الدكتور حسن الزبيدي أن «ليلة الزواج، تعد ليلة عمر للفتاة، وإقامة حفلتها في النهار لا يناسب السمر والسهر والفرح والأنس الذي تتمناه كل أم لابنتها وكل أخت لأختها وكل فتاة لنفسها».
وتابع «أعتقد أن حفلة الزواج التي تقام ابتداء من التاسعة مساء وحتى الثانية عشرة ليلا مناسبة من وجهة نظري، بحيث يكون التجمع والحضور من وقت صلاة العشاء إلى الساعة التاسعة مساء، وتقام فعاليات الحفل من التاسعة إلى الثانية عشرة، شرط ألا يزيد السهر عن هذا الحد حتى لا تكون فيه مشقة على الناس فلا يعودون إلى بيوتهم إلا مع طلوع الفجر، ولا تكون فيه مشقة على العروسين اللذين ينتظران الاجتماع في هذه الليلة التي ستبقى ذكراها في ذاكرتهم مدى الحياة، فلا بد أن يكون لهم من وقتها نصيب».
استنكار المخالفة
أشارت المستشارة الأسرية معصومة العبد رب الرضا، إلى أن العادات والتقاليد هي أشبه ما تكون بالقاعدة التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، مما يؤدي إلى الشعور بإلزامية القاعدة المتبعة والاستنكار لمخالفيها.
وهي ترى أن «حفلة الزواج» تعد مثالا على ذلك العرف المجتمعي باعتبار الحفلة يقينية في المساء، ومن الصعب كسر توقيتها لتصبح في النهار، وما يحدث الآن من حركة بدء المراسم في ساعة متأخرة من الليل هو نتيجة منطقية، حيث تنتهي الحفلة في منتصف الليل.
وقالت «تعديل الموعد سيجعل بعض المدعوات يتخاذلن عن المشاركة والحضور، وهذا يقودنا إلى البحث عن بدائل أو خيارات أخرى، متسائلة:
ـ ما هي الأشياء التي ستتأثر بجعل المناسبة في ساعة مبكرة؟
ـ ما هو أسوأ ما يمكن أن ينتج عن التبكير؟
ـ ما هي المكاسب التي سيجنيها العروسان والمدعوون من التبكير؟
ـ وما هي مساوئ التأخير؟».
وبينت أن «أسوأ ما ينتج عن التأخير هو الضغط والإجهاد لكافة الحضور، وعلى الأخص السيدات، ويمكن رفع العبء الضاغط على العروسين والمدعوات ببدء المراسم بعد صلاة المغرب، وهذا أدعى لمزيد من المتعة من منطلق الدعم المشترك والمتبادل، وعندما تكون مراسم الزواج نهارًا ستكون تجربة علَّها أكثر غنى وأفضل سلوكًا».
توفير اقتصادي
يركز المستشار التربوي عبدالحميد آل بن زيد على أن في تبكير الزواجات، منافع عدة حتى على الجانب الاقتصادي، فهو يحقق اختصارًا للحفلات، وتوفيرًا أمنيًا، وضمانًا أفضل لسلامة المدعوين في سفرهم وتنقلاتهم في حضورهم وانصرافهم.
وتابع «تأخير حفل الزفاف فيه إفساد لليلة العمر على العروسين بسبب التعب والإرهاق الشديدين، وضياع أجمل ليلة عندهما بسبب السهر»، مسترجعًا ذكريات ومراسم زواجه في الماضي، وقال «كان حفل الزواج يقام في النهار فيما مضى، ويبدأ بيوم غسل العريس ووقته بعد العصر، وليلة الطيب ووقتها بعد المغرب، وفي الليلة الثانية ليلة «فرّة» العروس في بيت أهلها، وهو عرض العروس بكامل زينتها، وفي الليلة الثالثة «الزفّة»، ويكون ذلك في بيت الزوج أو بيت أهله حيث تزف العروس إلى بيت الزوجية».
استياء من التأخير
يوضح الأديب، الكاتب عبداللطيف الوحيمد، أنه لم يلتق رجلا في حفل زواج ودار الحديث بينهما عن موعد حفلات الزواج وتقديم مأدبة العشاء إلا وسمع منه تأييدًا لتبكير الحضور إلى حفل الزواج، وتبكيرًا لتقديم وجبة العشاء. وأضاف «ما الضير في الحضور المبكر، وتقديم مأدبة العشاء في الثامنة والنصف أو التاسعة كحد أقصى مراعاة للقادمين من مواقع بعيدة، وتمكينًا للمدعوين أحيانًا من حضور مناسبة أخرى أو أداء واجب اجتماعي آخر أو قضاء حاجة ما». وتابع «أتمنى من الجميع مراعاة هذا الأمر بدلًا من تأخير تقديم مأدبة الطعام إلى الساعة العاشرة ليلًا أو بعدها أحيانًا، وشخصيًا حضرت عدة مناسبات قدمت فيها وجبة العشاء عند الساعة الحادية عشر ليلًا، فما الذي بقي على منتصف الليل؟، وما المبرر في تأخيرها إلى هذا الوقت، وإحراج الضيوف بالانتظار الطويل دون جدوى خاصةً، إذا لم يكن هناك برنامج للحفل يسلي الحاضرين ويفيدهم؟ وما ذنب المبكرين في تأخير طعامهم بسبب تأخر المتأخرين؟».
وختم «أشعر أن الأمر يشعر من حضروا مبكرًا بالمهانة في انتظار الطعام، واضطرارهم للانصراف من المكان، لذا نأمل من الجميع بالتفكير والمبادرة إلى إقامة حفلات زواجهم بشكل مبكر علّها تصبح عادة يلتزم بها الجميع».
آراء متضادة
في المقابل، يفضل كثيرون ترك خيار توقيت حفل الزواج للأشخاص المعنيين الذين عليهم اختيار ما يناسبهم سواء كان حفلا مبكرًا أو متأخرًا.
وترى أثير أحمد، وهي طالبة جامعية أن «تأخير حفلات الزواج حتى ساعات الفجر المبكرة باتت عادة تزعج الحضور، فهي تضطرهم إلى السهر الطويل، وكذلك إلى تأخير وجبة العشاء».
وتتفق معها جود الهاجري، وتقول «أفضل حفلات الزفاف المبكرة، وأرى أنها الأنسب لكبار السن على الأخص، وهم غالبًا يكونون أساس الزفاف، فلا تتأثر مواعيد نومهم».
تعارض مع الصلوات
يبرر كثيرون تفضيلهم لحفلات الزواج المتأخرة التي تبدأ بعد صلاة العشاء، بأنه الوقت الأنسب والذي يوفر وقتًا طويلًا للاحتفال دون الاضطرار إلى وقف الاحتفال أثناء الصلوات فيما لو أقيم مبكرًا.
وتناصر كثير من السيدات إقامة الحفلات بعد العشاء حتى لا تضطر المشاركات في الحفل إلى إعادة التبرج عقب أدائهن الصلاة على وقتها. ويرى مهتمون بالطقس والبيئة أن مناخ المملكة الصحراوي وأن موجات الحر الشديدة تجعل من الصعب إقامة حفلات الزفاف نهارًا، كما أن كثيرين يعملون في النهار فلا يكون لديهم الوقت الكافي للعودة من أعمالهم ومن ثم المشاركة في حفلات الزواج لو أقيمت بشكل مبكر.
مبررات مؤيدي حفلات الزواج المبكرة
– تجنب ارتفاع التكاليف المرتبطة بالأحداث الليلية (إضاءة وموظفين إضافيين).
– تأخيرها يؤثر سلبا على العلاقات الأسرية والواجبات المنزلية.
– تأخيرها يتعارض مع الأصل فالوقت المتأخر من الليل هو الأفضل لسكون الأسرة وخلودها للنوم والراحة.
– السهر فيها يؤثر على العادات الصحية للمشاركين فيها.
– التبكير يراعي أوقات الناس ويمكنهم من أداء واجب المشاركة وكذلك تلبية احتياجات الأسرة والأصدقاء.
– التبكير أفضل أمنيا وأضمن لسلامة المدعوين في سفرهم وتنقلاتهم في حضورهم وانصرافهم.
– طقس المملكة الصحراوي وموجات الحر لا تتوافق مع حفلات تقام مبكرا خلال النهار.
– التبكير يتعارض مع أوقات الصلوات.
– التأخير يمنح المحتفلين وقتا أطول وممتدا دون الاضطرار لوقف الاحتفال خلال الصلوات.
– التأخير يجنب النساء إعادة التبرج عقب كل صلاة فيما لو أقيم الحفل مبكرا.
– التأخير يتيح وقتا طويلا لمن ينهون أعمالهم كي يعودوا إلى بيوتهم ويستعدوا للحفل.
– التأخير يسمح للعائلات بمزيد من الوقت للتحضر والاستعداد لاستقبال ضيوفهم ويخفف عنهم التوتر.
– التأخير يضمن وجود كل شيء في مكانه المناسب للحفل والاستقبال.
——————————————-
الحوار من إعداد أ. عدنان الغزال، أ. فجر المشغلي
المصدر : صحيفة الوطن ( السعودية )
https://www.alwatan.com.sa/article/1140900