أبها حنانك

بعد حصولي على جائزتها الشعرية دعتني أبها في أمسية صيفية :.

مُدِّي لقلبيَ من فيضِ الرُّؤى سَبَبَا
فقد طغى الموجُ في دنيايَ واضْطَرَبا

 

أبها أَبَتْ قَرْيَةُ التَّحْنَانِ تَقْبَلُنِي
ضَيْفاً عَزِيزاً ، فَجُودِي وامْسَحِي التَّعَبَا

 

لا تُنْكِري غُرْبَتي فَهْيَ التِي بَقِيَتْ
في الرُّوحِ ، والحُبُّ . . لا . . لا يَعِرِفُ النَّسَبَا

 

إِنِّي سَلِيلُ النَّخِيلِ الشُّمِّ تَعْرِفُنِي
مِنْهَا الجُذُورُ وأَهْوَى سَعْفَهَا التَّرِبَا

 

دَعَوْتِنِي فَانتَشَتْ نَفْسي ، وخَفَّ بهَا
جناحُ شَوقيَ يَطْوي البيدَ والسُّحُبا

وَدَّعْتُ بحرينِ كَمْ فاضَا بخَيْرِهما
ومنْ صِرَاعِهِمَا كم أَمْلَيَا كُتُبَا

وَدَّعْتُ ظِلاًّ وأَثمَارًا ، وسَاقيةً
وَلُجَّةً منْ رِمالٍ تَجْهَلُ العُشُبَا

وَجِئتُ أَحملُ هَمَّ الأرضِ مُدَّرعًا
بنورِ صَبْري، وقدْ أَشْعَلْتُهُ أَدَبَا

أَتَيْتُ أَحْمِلُ أَشْعَارِي مُعَبَّقَةً
بزَهرِ أَرضي ، ولكنْ تنضحُ النَّصَبا

يَجِفُّ رِيقُ الهَنَا في ثغرِهَا لَهَفًا
وحَولَها الماءُ يَجْري فِضَّةً ذَهَبَا

فَعَلِّلي يَابْنَةَ الحُسْنِ المُدِلِّ فَتًى
لم يكتهِلْ بعدُ ، لكنَّ الشَّبَابَ كَبَا

خُذِي فُؤاديَ مَا بينَ الغُصُونِ عَسَى
ظلالُها تحتوي في جَوْفِهِ اللهَبَا

وبَلِّلي فوقَ أعشابِ الهضابِ مُنًى
سَقَيْتُها من دَمِي يا سَلْوتي نـُغَبا

وَطَوِّفي قلبيَ المُلتاعَ فوقَ رُبًى
يَدُ المَفَاتِنِ وشَّتْ بُرْدَهَا القَشِبَا

دعي السَّحَابَ كَأَسْرَابِ الحَمَامِ عَلَى 
خُضْرِ الأَرَائِكِ يَغْفُو بَعْدَ مَا تَعِبَا

هُنَاكَ في قِمَّةٍ زِرْيَابُ شَادِيـُهَا
والرِّيحُ تَغْزِلُ منْ أَغْصَانِهَا الطَّرَبَا

وَحَولَهَا جَوْقَةُ الغُدْرَانِ في دَعَةٍ
تَسْتَلُّ من صَخْرِهَا مَا يُذْهِلُ العَجَبَا

( أبْها ) على شَفَةِ الأحلامِ أُمْنَيَةٌ
عَذْرَاءُ تَحْتَارُ في تَقْليدِها لَقَبَا

تَخَالُهَا في الدُّجَى مَحَّارَةً رَعَشَتْ
على مَشَارِفِهَا أَنـْـوَارُ مَا حُجِبَا

حتى إذا الفجرُ رَشََّ النُّورَ وارتَشَفَتْ
أَزَاهرُ الرَّوضِ من أنـْدَائِهِ حَبَبَا

تفتَّقَتْ عن مَحَارِ الليلِ لُؤْلُؤَةٌ
وأسْفَرَ الصُّبْحُ عَمَّا كَانَ مُنْتِقِبَا

فَغَابَ سَمْعِي وَإِبْصَارِي ومَا مَلَكَتْ
شِفَاهُ شِعْرِي ، وَحَارَ الحِسُّ وَاخْتُلِبَا

أَحْسَسْتُ أنَّ خَيَالِي تَاهَ مِقْوَدُهُ
وأنَّ حَرْفِيَ منْ قَامُوسِهِ سُلِبَا

لمْ يَبْقَ في صَدْرِ تَرْنِيمي سِوَى نَفَسٍ
يَهْوِي وَيَصْعَدُ : سُبْحَانَ الذِي وَهَبَا

*            *            *

أبْهَا حَنَانَكِ بي لا تَتْرُكي نَظَرِي
يَهِيمُ في عَالَمِ الأَشْبَاحِ مُرْتَهِبَا

كُلُّ الذينَ تَدَاعَوا نَحْوَ مَأْدُبَتِي
كَمْ يَشْتَهوُنَ عَلَيْهَا خَافِقِي رَطِبَا

والقومُ ما بينَ أَفَّاكٍ وطَاغِيةٍ
ومُخْلِصٍ يَضْرِبُ الأخماسَ مُكْتَئِبَا

تَنَاثــَرَ العِقْدُ منْ حَوْلي وما نَهَضَتْ
كَفٌّ ولا غَضِبَتْ منْ أجلهِ غَضَبَا

دعوى العروبةِ ؟! ويحَ القَوم كَمْ صُفِعَتْ
فما الذي من حَيَاهَا بعدُ ما سُكِبا

وجهُ الأُخُوَّةِ ؟! كم أَدْمَوا مَحَاجِرَهُ
لــــَـــطْــــــمًـــــا وشَتْمًا ، وما تَدْري لَـهُ سَبَبَا

هُنَاكَ تُصْنَعُ أَسبابُ الخِلافِ وفي
بلادِ يَعْرُبَ يجري كُلُّ ما طُلِبَا

تَنَاحَرَ القَومُ في ما بينَهُم فَغَدَتْ
بِلادُهم للأَعَادي مَرْتَعاً خَصِبَا

فَلَسْتَ تَدْرِي إذا قَصَّوا مَآسيَهُم
أَ أَنتَ في حُلُمٍ ؟ أم قَد رَوَوا كَذِبَا

مَهَازِلٌ تُخْجِلُ التَّاريخَ أَحْرُفُها
تَكَادُ تـَنْسِفُ مجدَ القَومِ والحَسَبَا

بهَا أُرِيقَتْ صُبَابَاتُ الشُّموخِ على
أكفانِ عِزَّتِهِم واسْتَوْسَدُوا التُّرُبَا

عَفْوًا فما رُمْتُ أَنْ أُعْدِي فُؤَادَكِ بل
لأَطْرَدَ الهَمَّ من قَلْبي ومَا جَلَبَا

لكنْ إذا اندَلَعَت كالنَّارِ في دَمِهِ
أَطْيَافُ قوميَ يَبْقَى رَهْنَهَا حَطَبَا

فَأَسْرِجي الحُبَّ يَا حَسْنَاءُ والتَفِتِي
عمَّا أَبَحْتُ وسُلِّي من دَمِي التَّعَبَا

مكة المكرمة ، الأحساء ربيع الأول 1413هـ




اترك تعليقاً