الروح القائدة

في رثاء الشهيد عبدالله عزام

 

ها قد أتيتُكِ والمُنَى تُتَخَطَّفُ     

ورياضُ آمالي صَحَارى صَفْصَفُ

والحُبُّ في عَيْنَيَّ نَبْعُ مَدَامِعٍ     

والحُزْنُ في جَنْبَيَّ سَيْفٌ مُرْهَفُ

(بيشاورُ) التفتي إليَّ فإن لي     

قلبًا يُحِبُّكِ ، والحنايا أعرفُ

إنِّي أُحِسُّ بما يُحِسُّ بِهِ فُؤا     

دُكِ فالمصيبة في فؤادي تنزف

وأتيتُ نحوكِ كي تُرِيحي مُقْلَتِي     

وتدثــــِّرِي قَلبي ، فقلبي يَرْجُفُ


ألقيتُهُ في ساحِ صدرِكِ راعِفًا     

وبهِ من الآلامِ ما لا يُوصَفُ

وسكبتُ في خَدَّيْكِ جَمْرَ مدامِعي     

وزفيرُ صدري في ضُلوعِكِ يَعْصِفُ

عَزَّامُ ، وانتفضَتْ جراحي ، وانزوى  

صَبْري ، وناحتْ في لساني الأحْرُفُ

عَزَّامُ ، ما بالُ اليَراعِ تَرَقْرَقَتْ     

عَبَرَاتُهُ ، وطغى عليهِ المَوْقِفُ

هَلاَّ مَنَحْتَ فُؤَادَهُ منْ بعضِ ما     

خَلَّفْتَ مِنْ عَزْمٍ ، بِهِ يَتَشَرَّفُ

وأَرَقْتَ في أعراقِه ماءَ الحيا     

ةِ فإنه لِذُرَى الوَفا يَتَشَوَّفُ

أبكيكَ يا عزَّامُ والثــّأْرُ الغَضُو     

بُ بداخلي بركانُ هَمٍّ يَقْذِفُ

أبكيكَ والجُرْحُ الذي لملمتَه     

قَدْ عَادَ في زَمَنِ الهزيمةِ يَرْعُفُ

أبكيكَ والأَمَلُ الذي أَحْيَيْتَه     

في النَّفْسِ يَهْوِي تارةً ويُرَفْرِفُ

* * * * * *

كَمْ ليلةٍ أمضيت في كَفِّ الرَّدى     

والخوفُ في أثوابِه يَتَلَفَّفُ

ولسانُكَ الجَارِي بذكرِ القادرِ الــــ     

ــــجَبَّارِ لا يهفو ولا يتأفَّفُ

وفؤادُكَ الفَواَّرُ بالعَزَمَاتِ يَقْـــ     

تلعُ المخاوفَ والمنايا تَخْطِفُ

والرُّعْبُ يَقْصِفُ كُلَّ قَلْبٍ نَابِضٍ     

والجَمْرُ يَلْفَحُ كُلَّ عَيْنٍ تَطْرِفُ

وسَرَتْ أكاذيبُ الطُّغَاةِ مُخَدِّرًا     

يَسْعى بها سَعْيَ الأفاعي مُرْجِفُ

جَرَّدْتَ سيفًا من بيانِكَ ماضيًا     

فَجَثَثْتَ ما شَادَ العُدَاةُ ورَصَّفُوا

* * * * * *

جاهدتَ حتَّى ضَاقَ صَدْرٌ حَاقِدٌ     

وَمَضيتَ لا تكبو ولا تَتَخَوَّفُ

رصدوا لموتِكَ أَلْفَ أَلْفَ مُنَافِقٍ     

ومضاؤُكَ العِملاقُ لا يَتَوَقَّفُ

حَتَّى إذا دَنَتِ الَّتِي أَمَّلْتَهَا     

وقَضَى الإِلَهُ بأن شَمْسَكَ تُكْسَفُ

غاضَ الضِّياُء فلاحَ في أُفُقِ السَّمَا     

من نُورِ شَمْسِكَ أَنْجُمٌ لا تُعْرَفُ

اللهُ يَعْرِفُهُمْ ويعرفُ ما جَنَوا       

منْ روضِكَ الزَّاهي وإن لمْ يُعْرَفُوا

ناديتَ فانتطقوا بما ناديتَهم     

وغفا على سُرُرِ الرَّجَاءِ مُسَوِّفُ

ناديتَهم فتسابقُوا نَحْو الوَغى       

وجَثَا على شَهواتِهِ مُتَخَلِّفُ

فغرستَ في الأفْغَانِ خَيْرَ فَسَائِلٍ     

سَتَظَلُّ مِنْ نَبْعٍ فَجَرْتَ تَرَشَّفُ

أَرِجَتْ جَنَادِلُ أَرْضِهَا بِدمائِهم     

ونفوسُهم حَوْلَ الجِنَانِ تُرَفْرِفُ

نَسَجَتْ يَمينُك من زكيِّ دمائِهم     

مُثُلاً بها يَزْهُو الكمالُ ويُشْغَفُ

كم قِصَّةٍ يَهْذِي بها التَّاريخُ في     

خلواتِهِ كُتِبَتْ بِجُرْحٍ يَرْعُفُ

أما حِكايتُكَ التي خُتِمَتْ فَقَدْ     

جالَ الدُّعاةُ بها، فكلٌّ يَغْرِفُ

لكنَّهُمْ لم يبلغوا شيئًا فما     

يدري مقاطِعَها سوى من يَخْلُفُ

يا عالمًا ومعلمًا ومُجَاهِدًا     

ومربِّيًا زُمَرَ القلوبِ يُؤَلِّفُ

هل أدركَ العُلمَاءُ أَنَّ حياتَهم     

لَعِبٌ بما قد جادَلُوا أو ألَّفُوا

لو أنصفوكَ لكنتَ قائدَ خَطْوِهِمْ     

ولَكُنْتَ نِبْرَاسًا لهم لو أنصفوا

 

* * * * * * *

سُلِّي سُيُوفَكِ يا مصائِبُ وانثُري     

بُقْيَا السِّهام فوعدُنا لا يُخْلَفُ

سَتَظَلُّ أرواحُ الدُّعَاةِ تقودُنا     

رغمَ الرَّدى ، وبِكُلِّ حَقٍّ تَهْتِفُ

حتَّى ترى جيلاً يعيشُ لربِّه     

ويقودُه – رغمَ الطُّغاةِ – المُصْحَفُ

 



اترك تعليقاً