الغراس الخيرة

بَيَانُكَ يَأْبَى أنْ يُصَوِّرَ ما تَرَى
ولَحْظُكَ عن مكنونِ سِرِّكَ أسفرا

 

دموعُ اليتامى فوقَ خديكَ حَرُّهَا
قصيدةُ تَحْنَانٍ ، كتمتَ فعبَّرَا

 

وللمعوزينَ الصابرينَ لواعجٌ
فؤادُك منها كادَ أن يتفطرا

 

سهرتَ ونامَ المترفونَ وحولَهم
جراحٌ من الحرمانِ تنزفُ أَنـْهُرَا

 

مضيت تناجي الليلَ ، والليلُ جاثمٌ
على قلب مُحْتَاجٍ ، وقلبٍ تحجَّرا

 

فتعجب من عينٍ تبيتُ قريرةً
وجارتُها يهذي بها الجوعُ أَشْهُرَا

 

وتلمحُ -والدنيا تلملمُ ضَوءَهَا-
طلولاً كئيباتٍ من الطوبِ والثــَّرى

 

وتدنو وللبيتِ المروَّعِ سقفُه
بويبٌ إذا ما الريحُ مَسَّتْهُ صَرْصَرَا

 

كأنَّ جدَارَيْهِ ذراعا حُوَيْرِسٍ
تفزَّع للخطوِ الغريبِ فشمَّرا

 

تهجَّيتُه شِبراً فشبراً فما جنى
فضولُك مما صَدْرُهُ الحرُّ أضمرا

 

فيهمسُ في خَلَجَاتِ نفسِكَ هَاجسٌ
(تَقَدَّمْ .. فكم في الناسِ عفٌ تستَّرا)

 

وتطرقُ . . يا للفقرِ أدمتْ نُيُوبُه
قلوبًا عزيزٌ أن تَذِلَّ وتُقْهَرا

 

صوابُك لاكته الحقيقةُ برهةً
وطرفُك في الدارِ الجريحِ تحيَّرا

 

تُفتِّشُ عن شيءٍ يقيمُ جُسومَهُمْ
وعن ملبسٍ يكسو العظامَ فلا تُرى

 

وتسألُ : (أين الوالدُ البرُّ أينه)
فأيقظتَ جُرحًا كادَ أن يتدثرا

 

وأشعلتَ آهاتٍ ولوعةَ فاقدٍ
وزفرةَ مفجوعٍ ودمعاً تحدرا

 

هناك تلوَّى في ضلوعِكَ خافقٌ
تَجَلَّدَ ، لكنَّ البكاءَ تَفَجَّرا

 

فودعتَهم والدارُ تمزِجُ دَمْعَهَا
بدمعِكَ ، والأفقُ الكئيبُ تَجَمَّرا

 

وأصبحتَ مهموماً تنادي بحرقةٍ
(ألا مَنْ لمكسورِ الفؤادِ مُجَبِّرَا)

 

وأمسيتَ في كفيكَ بستانُ نعمةٍ
به أينعَ الإحسانُ أجرًا وأزهرا

 

تَدَفَّقَ خيرُ المحسنينَ لأَنـَّـهم
رأوا غرسَ أيديهم بكَفِّكَ أثمرا

 

تدفَّقَ بالمالِ الحلالِ فَبَارَكَتْ
يدُ اللهِ ما أبقوا فزادَ وأكثرا

 

تدَفَّقَ يسقي بذرَةَ الخير والتُّقَى
ويُغْرِقُ شَوكَ الشَرِّ أيانَ كَشَّرَا

 

هو الفقرُ ما أمسى بنفسٍ عزيزةٍ
بنعمتِها إلا أدالَ وغوَّرا

 

فللسجنِ صرعاهُ ضحايا رخيصةً
وللجهلِ أسراهُ تُبَاع وتشترى

 

فيا (مركزًا للبر) قُدتَ جموعَنا
لدحرِ فُلولِ الفقر أيَّانَ عَسْكَرا

 

بلادُك هذي نبعةُ الخير والندى
يرفرفُ فيها بَيْرَقُ النُّورِ أَخْضَرَا

 

تَفَيَّأَهَا الزُّوَارُ ظِلاًّ وَمَشْرَبًا
وجادتْ لأَهْلِيهَا ثِمَارًا ومنظرا

 

تَمَنَّى القوافي الشارداتُ مديحَها
فخارًا، وتسعى في مديحِك عُطَّرَا

 

سكتَّ وأنطقتَ الفَعَالَ فأخرسَتْ
يدُ البُؤْسِ، وانداحَ الهناءُ وَنَوَّرَا

 

فلا تعتبنْ إِذْ بُحْتُ مَا قَدْ كَتَمْتُهُ


فَقَلْبيَ في أعماقِ قلبكَ أَبْحَرَا

 

محـ1415ـرم

 



اترك تعليقاً