الوداع الثاني

باللهِ يا ولدي لا ترمُقِ الحَدَقَا     

ولا تلومَنَّ جسمي إذْ طَفَا بَهَقَا

سافرتَ فانطفأتْ في الوجه بسمتُهُ       

وأبْحَرَ الوجدُ في الأعماقِ مُنْطَلِقَا

سافرتَ والأَلَمُ المحمومُ في زَمَنٍ       

لَمْ أَدْرِ أَيُّكُمَا للفَتْكِ قد سَبَقا

سائِلْ فؤاديَ كم جَرَّعْتَهُ أَلَمًا       

واسأَلْ جفونيَ كم حَرَّقْتَهَا أَرَقَا

لكنْ جبالُ العُلا والعِزِّ شامِخَةٌ       

ومن يرومُ الذُّرا لا يشتكي رَهَقا

سافرْ بُنَيَّ ولو أضنيتني وَلَهًا    

سافرْ بُنَيَّ ولو أَجَّجْتَنِي قَلَقا

ولا تلومَنَّ دمعي إذْ تَخَوَّنَنِي     

أمامَ عينيكَ ، ذا من حُبِّهِ صَدَقَا

لكنْ إذا ليلةٌ نامَتْ ذَوائِبُها   

والبدْرُ في غَيْمَةٍ سوداءَ قد غَرِقَا

وامتدَّ من رَدْهَةِ الظلماءِ مِعْصَمُهَا     

وطَوَّقَ الصبرَ بالأحزانِ واختنقا

فاذكرْ هناكَ فؤادًا دَمْعُهُ أَمَلٌ     

وجمرةُ الشوقِ فيه ترقبُ الأُفُقَا

أطلقتَ فيه طموحاتٍ محلِّقَةً       

ما زلتُ أشتَمُّ منها في المدى عَبَقا

ألستَ تسمعُ همسَ الأمنيات بِهِ     

ودَفْقَةُ النُّورِ فيهِ كُلَّمَا خَفَقَا :

لا تلتفتْ إنْ دَجَا يومٌ لِظُلْمَتِهِ     

واستشرفِ النُّورَ في الآفاقِ لا الغَسَقَا

كم غُربَةٍ صَيَّرَتْ قَفْرَ الطَّمُوحِ جَنَى     

وأَعْقَبَتْ لَيْلَهُ في أُفْقِهِ فَلَقَا

 

ربيع الأول 1411هـ)

 

 



اترك تعليقاً