خلجات . . . متطوع

 

يا مَوردَ العزِّ الذي ناداني     

فمنحتُه حِسِّي ونبضَ جَناني

ظمآنُ يا نهرَ الخلودِ فروِّني     

إن كنتَ لا تسقي سوى ظمآن

ها قد لبستُ حُلَى الشجاعةِ والفِدا     

وتركتُ فضلَ ملابسي لجبانِ

ونفرتُ في الحَرِّ الشديدِ، فلا الضنى     

يلوي أعنَّةَ هِمَّتِي بتوانِ

كلا ، ولا أُصغي للغو مُخَذِّلٍ     

عاشَ الحياةَ لمركبٍ وقِيانِ

متطوعٌ، والله غايةُ مقصدي     

فبه أذودُ عن الحِمى بتفانِ

متطوِّعٌ للهِ ليس لتُرْبَةٍ     

عزَّت عليَّ كما يعزُّ كِياني

متطوِّعٌ يُصغِي الزمانُ لمدفعي     

والعالمونَ لما حَمَلْتُ روانِ

متطوعٌ وإذا دعاني للوغَى     

وطني، فإني حارسُ الأوطانِ

متطوعٌ، ومراكبِي مسروجةٌ      

والأذنُ ترقبُ صيحةَ الرُّبَانِ

أرضُ الجزيرةِ معقِلي ، ومفاخري     

فيها : كتابُ اللهِ والحرمانِ

روَّى ثراها السابقونَ بدمعِهِم     

ودمائِهم ، فالويلُ للخَوَّان

ونفرتُ والذكرى تصوغُ ملاحِمًا     

في مسمعيَّ فتنتشي أركاني

وطمعتُ أن أرقى ذُرا أمجادِها     

فإذا بشيخٍ طاعنٍ يلقاني

هذا هو التاريخُ يبتدرُ المنى     

في خاطري، فأجبتُ حين دعاني

وأدارَ مركبةَ الخيالِ فعادَ بي     

زُمَرَ السِّنينِ، وجالَ في البلدان

فبُهِرْتُ حينَ رأيتُ ما لا ترتوي     

عينايَ منه، ولا ارتوى وجداني

تلك النَّيَاشينُ التي لو عُلِّقَتْ     

بصدورِ قومي لاستراحَ زماني

في كُلِّ شِبْرٍ قصةٌ ممزوجةٌ     

بعبير فتحٍ ، أو خضابٍ قانِ

وخُطَى الجيوشِ على بحارِ رِمالِها     

فتحتْ دُروبَ الخيرِ للإنسان

وتكادُ حَمْحَمَةُ الخُيُولِ تقولُ لي     

خلفَ السنينِ : أما سَمِعْتَ بَيَانِي

وحضارةُ الإسلامِ يغمرُ نورُها      

كُلَّ الفِجَاجِ فما لَهُ من ثان

*******

وهممتُ أن ألقى المثنَّى بُرْهَةً     

وابنَ الوليدِ ، وحمزةَ الفُرسان

وأبا عبيدةَ ، والذين هُمُ هُمُ       

لكنَّ صوتَ مُصاحبي ناداني

أطرقتُ والتاريخُ يذرِفُ في دمي     

دَمَعَاتِهِ، ويقولُ في حَرَقَانِ:

(يا إخوتي أُزجي لكم عذري إذا     

أسمعتُكم في حفلكم أحزاني

كم كنتُ أهوى أن أداريَ ذكرَها     

لكنَّه ما ليس في إمكاني

في صدرِ إخوانِ العقيدةِ زفرةٌ     

ومُنًى مرَزَّأَةٌ ونَصْلُ سِنَانِ

وعلى شفاهِ نسائِهم أغرودةٌ     

مخنوقةٌ بسلاسلِ الصُّلبانِ

تَرَكَتْهُمُ الأرزاءُ فوقَ أديمِها     

كمزارعٍ محروقةِ الأغصانِ

في كل عينٍ دمعةٌ تجري على       

عِرضٍ تَمَزَّقَ أو حبيبٍ عان)

 

ورفعتُ طرفَ تساؤلي فإذا بِه     

يتلو عليَّ روائِعَ القُرآن

ويقولُ لي : (لا تعجبنَّ إذا امتطتْـــــــــ     

ـــــــــكُـم ذلةٌ، فالعِز في الإيمان

هذا الذي صُنِعَتْ به أمجادكم       

وبغيرهِ لن تهنأوا بأمان)

ومضى وحَشْرَجَةُ الأَسَى في صدرِهِ     

سهمٌ ، وفي صدري طِعَانُ يَمان

وتنبَّهَ الجَفْنُ الغريقُ على خُطى     

عزمِ الشبابِ بداخلي ينهاني

فأفقتُ من غيبوبتي متوثـــِّبًا     

لأُجيبَ صوتَ الحَقِّ في المَيْدَان

 

ذو الحجة 1411هـ