رسالة خادمة إلى أولادها

حين تجبر الحاجة الماسة والفقر المدقع مسلمة عفيفة على الخدمة خارج بلادها، ترى ماذا ستكتب لأولادها في أولى رسائلها؟:

هجرتُ مهدَ الصِّبا والموطنَ الحاني    

وعفتُ من أجلكم رَوْحي ورَيْحاني

مضيتُ والشوقُ حادٍ في ركائِبِه   

وحبُّكُم زَوْرَقٌ في نَهْرِ شِرْياني

رحلتُ لكنْ فؤادي قَيْدَ وجهتِكُمْ    

أنـَّـى اتجهتُم ، فهلْ في الدَّمْعِ سُلواني؟

أسيرُ . . لكنْ إلى أين المسيرُ ؟؟ ولمْ   

أسمْع جوابًا سوى أصداءِ حرماني

تطيرُ بي قسمتي في كُلِّ حاضرةٍ     

ولستُ أرمقُ فيها غيرَ أحزاني

حتى إذا هَبَطَتْ أَحْسَسْتُ قُنْبُلَةً     

تستأصلُ الأمنَ من أرجاءِ وجداني

وبعدَ لحظةِ خوفٍ كادَ يقتُلُنِي   

جاءَ الرَّقيبُ بنا جمعًا كقِطْعَانِ

واصطفَّ من حولنا قومٌ قد ارتسمت    

على وجوهِهِمُ آثارُ إحسانِ

وراحَ صاحبُنا يجلو بضاعتَهُ      

والقلبُ يُصْلَى على نيرانِ هجرانِ

ويلهجُ القومُ من حولي بِرَطْنَتِهِم    

في كل آونةٍ باسمي وعُنْواني

واختارني واحدٌ من بينهم فَغَدَتْ    

تسري نواظرُه في كُلِّ أرداني

كأَنـَّهُ مُشْتَرٍ أَلْفَى مطالبَهُ    

بعدَ الضَّنى فرِحًا في قَعْرِ دُكَّانِ

وسِرْتُ أجهلُ دربي . . نحو صاحبةٍ ؟     

أم نحو زِنزانةٍ في ظِلِّ سَجَّانِ؟

لكنَّ رحمةَ ربي – وهي غَالبَةٌ –        

آوت حبيبتكم في بيتِها الثــَّاني

فَضَمَّنِي منزلٌ طابتْ سرائِرُهُ      

في كُلِّ قلبٍ بهِ للخيرِ نَبْعَانِ

يُذيبُ خوفـيَ نبعٌ من سماحتهم    

وترتوي غُلَّتِي من نَبْعِ تَحْنَانِ

فالأمُّ أُمِّي وربُّ البيتِ تَشْمَلُني      

منهُ الرِّعايةُ شأنَ الوالدِ الحاني

أحسستُ أنِّي كبنتٍ من بناتِهِمُ   

وأنَّ فتيتَهم صاروا كإخواني

لكنَّ لهفةَ قلبي حينَ أذكُركم      

تُنْسِي الدُّنَا لو جَرَتْ نَهْرًا بمرجانِ

إني لأنظرُكُمْ في كُلِّ ناحيةٍ      

على أرائكَ من حولي وجُدرانِ

أحسُّ هرولةَ الأوراقِ تجرفُهَا الرّ    

ياحُ عودَتَكُم من كُلِّ مَيْدَانِ

وإن تراقصت الأغصانُ هامِسَةً      

حسبتُه صوتَكم بالحُبِّ ناداني

إذا الصِّغَارُ تنادوا ( أُمَّنَا ) هَتَفَتْ      

في القلبِ منكم نداءاتٌ كألحانِ

وإنْ تشاجرَ صِبيانٌ على مَرَحٍ       

حَسِبْتُ بينَهُمُ – كالحُلْمِ – صبياني

إذا تداعى النَّدامى نحوَ مأْدُبَةٍ     

وأسرجو الأُنْسَ في روضاتِ بُسْتَانِ

وأترعَتْ بالسَّنا قمراءُ جِلْسَتَهم      

هاجتْ بذاكرتي أسمارُ (سَيْلانِ)

تمضي الدَّقيقةُ كالأيَّامِ في مَهَلٍ      

حتى أظنَّ بأَنَّ الوقتَ عاداني

يا بؤسَ نفسي – وقد شَطَّ المزارُ – إذا       

أمضيتُ ليلي بقلبٍ جِدِّ حَرَّانِ

أُحِسُّ أَنَّ فؤادي كهفُ راهبةٍ       

لم تُبْقِ فيهِ سِوَى أنداءِ إيمانِ

تبري الهمومُ الضَّواري بالأسى جَسَدًا     

والدَّمعَ تنزفُه كالجَمْرِ عينانِ

متى أعودُ إلى روحي برؤيتكم    

وتستلذُّ بطعم النَّومِ أجفاني ؟؟

 

الجمعة 19/5/1408ه

 



اترك تعليقاً