عذرا لدمعك

عذرا لدمعكِ .. أمي .. غصَّ بي سفري

 

وجُنَّ وَجْدي .. ولم تشبعْ خُطا وطري

 

أدميتُ وجهَ المدى من هِّمتي جَلدًا

 

ووجهكِ السمحُ ملءُ القلبِ والبصر

 

قاسيتُ من لوعةِ الأشواقِ أفتَكَها

 

واستشرهَ الغَمُّ حتى هَمَّ بالنَّحَر

 

أضيق من غربتي والليل يرقبني

 

لكن عينيه لا تحنو على ضجري

 

يمد حبي شراع الدمع يسبح بي

 

لا يرقأ الدمع حتى يرتوي سهري

 

جربت كل فنون الصبر مذ عرفت

 

وأبدع البعد ألوانا من الفكر

 

إذا توهَّجَ شوقي طار بي بصري

 

إليك يا منتهى أحلامي الغرر

 

وفرَّ نومي .. أمي .. ظامئ وله

 

فلففينيَ في مهد من الخدر

 

لكنني بعد بعدي أرتمي خجلا

 

في حضنك اليوم طفلا هام بالسمر

 

دعي لساني يهذي واتركي عُجري

 

تطيش حتى تعيد الطفل في بُجَري

 

أخبئ الدمع عن عينيك محتسبا

 

وأقبر النار في صدري بلا شرر

 

لكنني ـ وغمام الوهم يسترني

 

عن أعين الناس ـ ما لي منكِ من سُتُر

 

رأيت دمعي في عينيك من خبري

 

فمن أراك الذي خبأتُ من خبري

 

أموت حين أرى جفنيك قد ذبُلا

 

وفاض حزنك من أجلي .. فوا كدري

 

إذا بكيتِ بكى قلبي وعافيتي

 

وثار حزني وماتت بسمة القمر  

 

وإن تبسمتِ هَلَّ الصبحُ وانتثرت

 

حولي العناقيد كالأنسام في السحر

 

وإن تحدثتِ فاحَ الطيبُ واحتضنت

 

رؤاي أفوافُ ألوان من الزهر

 

وطاف بي ذكرياتٌ كنتُ فارسَها

 

وكنتِ أنتِ التي تبرين لي وتري

 

ما كنت أحذرُ .. في عينيَّ مركبةٌ

 

من الطموح تحدَّت حاجز الحذر

 

وأنت حولي تُدراين الدروب: ألا

 

رفقا بوطأته .. يا أعين الحفر

 

نعم كبرت .. ولكن لست في كبري

 

إلا الذي كان في كفيك في الصغر

 

ينمو لِبانُكِ بي ما عشتُ من عُمُري

 

لله درُّكِ .. ما أحناهُ في كِبَري

 

فمرةً يوقد الإقدامَ في عصبي

 

ومرةً يمسحُ الإعياءَ عن عَثَري

 

وأنت حولي .. فؤاد مشفق حذر

 

وهمة ذوَّقتني نشوة الخطر

 

أراك .. يبرق نجم المجد في صور

 

من الخيال، لأجلو المجد في صوري

 

فعفتُ كلَّ طريقٍ ذلَّ موطئُها

 

ورحتُ أرتادُ ما يخلو من البشر

 

حتى رأيت خطا أمسي تضيءُ غدي

 

البذرُ أصبحَ غاباتٍ من الشجر

 

قد حُبِّبَ السَّعيُ في نفعِ الأنام إلى

 

حبيب قلبك .. حتى صار كالمطر

 

فأيُّ أرضٍ تناديه .. يهب لها

 

ليسكبَ الحبَّ في كأسِ من العِبَر

 

فلا يغادرُها إلا ومبسِمُها

 

يحثو الأطايبَ من ورد ومن ثمر

 

نادانيَ اللهُ حُبًّا فاستجبتُ له

 

وسرتُ ينبتُ طَوقُ الفُلِّ في أَثَري

 

وأنت حولي .. فؤادٌ واجفٌ قلقٌ

 

ودعوةٌ أرَّقَتْ بوَّابةَ السَّحَر

 

أماه عذرا فما أرجوه ملتمسا

 

سوى رضاكِ .. فهل ألقاهُ يا نظري

 

أمي مُرينيَ .. لا  .. لا ترتحلْ أبدًا

 

فما أزالُ وليدًا في يديكِ ـ مُري

 



اترك تعليقاً