قالت . . . وقلت لها

 

قالت وقد شَرِقَتْ بالدَّمعِ عيناها     

 وسَطَّر الهَمُّ في الخدَّينِ نجواها:

ناشدتُكَ اللهَ أن تبقى لتسمعَني     

فقد طغى من عصا التَّسيارِ مرماها

دعني أَبُحْ بالذي كَتَّمْتُ من حُرَقٍ    

ولا تلمني إذا نالتْك أشقاها

كم دافعتني إلى بَوْحٍ لتعتِقَني     

لكنَّني خوف هجرٍ منكَ أنهاها

وصرتُ أطوي نهاري طَيَّ مرتَحِلٍ     

فوقَ القتادِ وتحتَ الشمسِ يصلاها

تاهتْ معالمُ وقتي ، كُلُّ خارِطَةٍ       

رسمتَها لفراغي ماتَ مغزاها

حتى مللتُ من الساعاتِ أمضغُها       

وباتَ أصدقُ من جالستُه الآها

لا تستطيعُ  فساتيني وأسورتي     

وما تلألأ في كفِّي وما تاها

أن تشتري من خيالي لحظةً خَطَرَتْ       

فيها رؤاك ولو عَزَّتْ مزاياها

ولا أَلَذُّ بضحكاتِ الصِّغارِ . . . وكم       

وددتُ واللهِ لو أسقيكَ أحلاها

ورحتُ أرسُمُ أحزاني على جُدُرٍ       

من السكونِ وأشقى من بقاياها

متى تؤوبُ إلى دنيايَ يا حُلُمِي   

وتتقي في بقايا عبرتي اللهَ

وكَفْكَفَتْ بيمينِ الحُبِّ مدمعَها       

وسافرتْ في عروقي نارُ شكواها

شُلَّتْ جميعُ حكاياتي التي شَبعَتْ       

من سردِها والتي ما كنتُ أنساها

واستجمعت كلماتي بعضَ أحرُفِها       

لكنَّها فقدت في حَيْرَةٍ فاها

ما كنتُ أحسبُ أن الصَّمتَ يعقُبُهُ      

دويُّ قُنبلةٍ تُخْشَى شظاياها


* * * * * * *

ماذا أقولُ ؟ وأعذاري محاصرةٌ       

في مُقْلَتَيْهَا ، وصمتي صارَ إقرارا

ماذا أقول؟ أترضى أن أقولَ لها       

في القلبِ يا مهجتي من أضرمَ النَّارا؟

وهل تطيقُ حديثًا عن مُتَيِّمَتِي   

ومن بنيتُ لها في خافقي دارا؟

ومن تخطَّتْ حدودَ الحُبِّ في خلدي       

حتى غَدَتْ في بحار العشق تيَّارا

ومَنْ إذا ذُكِرَتْ خَفَّتْ بذاكرتي     

قَواطِرُ الأُنْسِ في التاريخِ أسفارا

حبيبتي لم تكنْ شمسًا ولا قمرًا      

لكنها غَمَرَتْ بالنُّورِ أقمارا

عُشَّاقُهَا في فِجَاجِ الأرض قافلةٌ     

جَوَّابَةٌ تقطعُ الآفَاقَ تَسْيَارا

لا يعبأونَ بقطاعِ الطريقِ وقد       

سَلُّوا من الصَّبْرِ والإيمانِ بتَّارا

حتى غَدَتْ غُرَرُ البلدانِ قاطبةً     

تَصُبُّ في نهرِها غيثًا وأنهارا

كانتْ تَزَيَّا بثوبِ الشمسِ مِئْزَرُها     

غروبُها ، وارتدَتْ في الشرقِ أنوارا

لكنَّها . . . . . . . . وارتمى في العينِ واقعُها   

وأفْلَتَتْ زفرتي من حَبْسِهَا نارا

تاهتْ على مَفْرَقِ الأيامِ خُطْوَتُهَا       

وشعرُها يُتْبِعُ الأنفاسَ مُحْتَارا

عيونُها في بحارِ الهَمِّ غارِقَةٌ       

وجسمُها يمضغُ الآلامَ مُنْهَارا

تُغْضِي على الضَّيْمِ في الأقصى وخَجْلَتُهَا    

تُرخي على ثَغْرِهَا النَّوَّاحِ أسْتَارا

باعتْ كرامَتَها في كُلِّ مُؤْتَمَرٍ       

ثم اشترتْ من مزَادِ الذُّلِّ أطمارا

تُصغِي إلى كُلِّ أَفَّاكٍ يخوضُ بها        

حَوضَ الهَلاكِ ، وتَسقي المُرَّ أخيارا

وكُلَّمَا انبثقَتْ في الأُفْقِ بارِقَةٌ     

بِكَفِّهَا يطفئُ الأعداءُ ما نارا

* * * * *

هنا التفتُّ إلى من كُنْتُ أَحسَبُهَا       

تُصْغي إليَّ وقد أضمرتُ ما دارا

قالتْ وقد أَجْهَدَ التفكيرُ خاطِرَها:     

حتى متى تقطعُ الأوقات تَذْكَارا

يَا لَيْتَنِي كنتُ من تَهوى ، فقلتُ لها :    

وا أمَّتاه، فقالت : لستَ صبَّارا

لا تندُبَنَّ بحرفٍ واحدٍ مِزقًا     

سَمَّيتَها (أمةً)، فالدَّهْرُ قد دارا

كانت كما قُلْتَ لكنْ . . . . وانطوتْ جُمَلٌ    

وأسبلَ الشَّفَقُ الورديُّ نوَّارا

وأردفتْ -والأسى والعزمُ في دمها   

سيفا رِهان، ووجدي نحوها طارا-:

لا تُرتَجَى هِمَّةُ الفتيانِ في حَدثٍ     

إذا غدا همُّهم دمعًا وأخبارا

ولن يعيدَ روابي المجدِ زاهيةً    

في أمتي من يظنُّ الدربَ أزهارا

فدعْ دموعيَ تجري لا تبالِ بها    

واجعلْ لهَمِّكَ في الرحمنِ أثمارا

أشعلْ به شمعةً في قلبِ عَتْمَتِهَا    

وسِرْ به جدولاً بالخيرِ هَدَّارا

 

واقدحْ به جَمْرَةَ الأشعار منطلقًا     

من كُلِّ حرفٍ على مرسى الأسى حارا

واهتف بقومكَ : جِدُّوا السيرَ واتحدوا   

في نُصْرَةِ الحق ، فالعقبى لمن سارا

إنّي لأرجو من اللهِ المُدَبِّرِ أن      

يختارَ من جيلِكم من يمسحُ العارا

جمادى الأولى 1412هـ