ماذا جنينا

يا ربِّ تاهت مع الرايات راياتي     

وأجْفَلَتْ في الدُّرُوبِ الخُضْرِ خُطْوَاتي

واسترسلَتْ نشوةُ الآلامِ تذرعُني     

وتعتلي قِمَّةَ الإحساسِ في ذاتي

جُنَّتْ عواصِفُ هَمِّي فاقتفَتْ أَثَرِي     

حتَّى قرأتُ خُطَاها في المَغَاراتِ

إذا توشَّحْتُ صَبْرِي هاجَ هائِجُها     

وإنْ تساميتُ حامَتْ كالسَّحاباتِ

أدعوكَ يا خالقي والهَمُّ يخنُقُنِي     

وحيرتي أهرقَتْ بُقْيَا صُبَابَاتِي

كُلُّ النَّوَافِذِ من حَوْلِي مُغَلَّقَةٌ     

فافتَح لِعَبْدِكَ أبوابَ المُنَاجَاةِ

مالي سواكَ وقدْ بتُّ الغريبَ فكُنْ     

لي ملجأً من رياحٍ أو دُجُنَّاتِ

وكيفَ تطرقُ كفي بابَ من وقفوا     

على حياضِكَ يستجدونَ حاجاتي

أمدُّ كَفِّي وسوطُ الذنبِ يجلدُها     

واخجلتا منك يا جَمَّ العطاءاتِ

لكنَّهُ طَمَعٌ أغرى به كَرَمٌ     

يهمي به فضلُ قَيُّومِ السَّمَاوَاتِ

* * * * * * *

ماذَا أبثــُّك من أحزانِ أُمَّتِنَا     

وأنتَ ياربُّ أدرى بالخَفِيَاتِ

نزيفُ أرواحِنا في كُلِّ نَاحيةٍ      

لم يَلْقَ مِنَّا سوى شَجْبٍ وأَنــَّاتِ

مِنْجَلُ القَهْرِ والإِذْلاَلِ مُنْجَرِدًا     

ما عادَ يجرحُ إحْسَاسَ المُرُوءَاتِ

ومِخْلَبُ الفقرِ أدمى قلبَ إخوتِنَا     

ونحنُ نبخلُ حتى بالمواساةِ

متى يعودُ لنا عزٌّ ومبدؤنا     

هَجْرُ الكتابِ وإشعالُ الخِلافات

كُنَّا نصولُ على بعضٍ بألسنةٍ      

في حَدِّهَا الشوكُ يُسْقَى بالسَّفاهات

واليومَ طوَّرَنَا بَعْثُ العراقِ فما     

عادَ الكلامُ يفي دينَ العداوات

بل أصبحَ المِدْفَعُ الرشَّاشُ مُنْطَلِقًا     

يفضُّ كُلَّ نِزاعٍ بينَ جَاراتِ

وغابت الحكمةُ الشهباءُ عن بلدٍ     

كانت بها دارُها أنفاسَ جَنَّاتِ

وجَرجَرَ الحربَ مَصَّاصُ الدِّمَاءِ إِلَى    

دارِ السَّلامِ ، وكانت أَمْنَ من ياتي

صدَّامُ يا بوقَ إبليسٍ وحربَتَه     

ماذا جنيتَ ؟ أجبني أيُّهَا العاتي

تنَحْنَحَ الوغْدُ واسترخَتْ شَوارِبُه     

وراح يفتِلُهَا شأنَ (الفُتُوَّات)

 

فَخِلْتُهُ – وكفوفُ الذُّلِّ تَصْفعُه –     

سيكشِفُ اليومَ أخطاءً مُمِيتَاتِ

ويُحْرِقُ الآنَ ما غطى مسامِعَهُ     

عن نَبْرَةِ الحَقِّ في بعضِ النِّدَاءَاتِ

لكنَّ من عَصَفَتْ ريحُ الغُرورِ بهِ      

فليسَ يُسْعِدُهُ صِدقُ المُنَادَاةِ

وكيفَ يُنْصِتُ من أَغْرَاهُ خَاطِرُهُ     

بأنَّ منزلـَه فوقَ المَجَرَّاتِ

وَمَنْ تُسَيِّرُهُ الأطماحُ جامِحَةً     

فإِنــَّمَا قبْرُهُ بين الطُّمُوحات

قال الظلومُ وقد عاثتْ بجبهتِهِ     

سُودُ الخُطُوبِ وأنيابُ البليّات:

ألستُ من خَضَعَتْ قسرًا لسمعتِهِ      

روسُ الجبالِ ، وأعناقُ المسافَاتِ

ألستُ من أَرْعَبَ الدُّنيا بسطوتِه     

وباتَ قُطْبًا لأفلاكِ الزَّعاماتِ

ألم أُجَرِّعْ يهودَ الذُّلَّ فاكتحلت     

عينُ العروبةِ من نورِ انتصاراتي

وراحَ يهذِي وآلامي تُبَرْكِنُنِي     

وفوهَةُ الغضبِ المكبوتِ زفراتي

ما عدتُ أحتمِلُ التهريجَ فاشتعلي     

يا نارَ قهري ، وصولي يا جراحاتي

ومَزِّقِي يا حرابَ الحَقِّ أقنعةً     

يحوكُها للخَنَى حِقْدُ الإذَاعاتِ

وأنذري كُلَّ صدامٍ وزمرتَه      

بأنَّ فجرَ الهدى – رغم الدُّجَى – آتِ

 

* * * * * * *

يا أمتاه إلى أين المسيرُ وقد     

حُفَّتْ دروبُكِ فجرًا بالمغيرات

تاهتْ خُطَاكِ عن الإسلام فاعتصمِي     

بهديِه ، وافقهي زَيْفَ الشعارات

وسائلي الغَدْرَ والتدجيلَ كَمْ كَمَنَتْ    

صِلُّ الثــَّعابين في جوفِ ابتسامات

وسائلي الفِسْقَ والمحرابَ كم شَهِدا     

من ركعةٍ مُثِّلَتْ عندَ الجمَاعَاتِ

وكَفْكِفِي دمعةً حرَّى إذا هَطَلَتْ     

على خدودِ الأسى باسمِ (المُدَارَاةِ)

ما الهَمُّ أن تُشْعَلَ الحربُ الضروسُ على     

جيشِ البُغَاةِ وتُنْهَى بالمَسَرَّاتِ

لكنَّمَا الهمُّ أن نصلى الحروبَ ولا     

يجلو لنا نصرُنا أصلَ المُعَانَاةِ

 

أواخر عام 1411هـ