أريج الحب العظيم لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

أريج الحب العظيم لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

الخطبة الأولى:

الحمد لله نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، ونبيه وخليله، الطاهر المطهر، والحبيب الأعظم، خير مخلوق، وأشرف بشر، خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله .. أحباب رسول الله ..

أوصيكم ونفسي المقصّرة بتقوى الله وطاعته، يقول الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة: 194].

أيها المؤمنون .. في الأشهر الحرم .. وفي أشهر الحج المعظّمة، وفي الزمن الذي تتقافز فيه دعاوى الانهزاميين للرضوخ أمام الرأي الآخر وإن كان حاقدًا، والقبول به وإن كان جائرًا، بحجة سماحة الإسلام وجمالياته الأخلاقية العالية. في الوقت الذي تنادي فيه دول أمريكا وأوربا بالسلام والديمقراطية، واحترام الشعوب وأديانها وحرياتها، في هذا الزمن أقدمت صحيفة دانمركية حاقدة على جريمة نكراء منذ نهاية شهر شعبان المنصرم حين نشرت اثني عشر رسمًا ساخرًا؛ تصوّر رسولنا صلى الله عليه وسلم في أشكال مختلفة؛ لتنال من طُهره وإنسانيته العظيمة، ومن نبوته ومكانته التي لم تطاولها مكانة لمخلوق أبدًا.

كيـف ترقـى رُقيَّك الأنبيـاءُ       يا سـماء ما طاولتها سمـاءُ؟

لم يساووك في عُلاك وقد       حـال سـنا منك دونـهم وسـناءُ

فانتفض لذلك وجدان المسلمين في أرجاء الأرض، واهتزت أركان المعمورة، وقرعت آيات العزيز الحكيم قلوب المؤمنين الصادقين من جديد: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [سورة التوبة: 40]، وتوجب على كل قادر من أتباع النبي الكريم أن يدفع عن رسوله صلى الله عليه وسلم بما يستطيع، تظاهر الآلاف من مسلمي الدانمرك، وكُتبت المقالات هناك لتدارك الأمر، ووجهت الرسائل إلى الحكومة الدنمركية، وإلى الصحيفة المجرمة؛ لتقديم الاعتذار، ولكنهما لم يفعلا، بل رفضوا ذلك بحجة حرية التعبير!! متجاهلين المواثيق الدولية، وقوانين الصحافة العالمية التي تفرض على الصحفي احترام مقدسات الأديان في العالم.

وهنا انتقل واجب الإنكار والدفاع عن الحبيب المصطفى إلى حكومات المسلمين في الأرض؛ فكان أبرز رد من هذه البلاد -حماها الله من كل مكروه- حين استدعت سفيرها للتشاور؛ نظرًا لعدم اكتراث الحكومة الدانمركية لإساءة صحفها للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ما أدى إلى تعقيد الأمر وتطوره، كما استنكر مجلس الوزراء ومجلس الشورى السعوديان هذا الإجرام، وكذلك وجامعة الدول العربية ممثلة في جميع وزراء الخارجية العرب، وتلقت كوبنهاجن عاصمة الدانمرك رسالة رسمية من قِبَل سفراء دول إسلامية -بينها دول عربية- احتجاجًا على نشر تلك الرسوم، مطالبين الصحيفة بالاعتذار. كما طالبوا بمقابلة رئيس الوزراء الدنمركي لبحث هذه القضية إلا أنه رفض استقبالهم.

وهنا انتقل الواجب إلى علماء المسلمين والمنظمات الإسلامية العالمية؛ حيث استنكر المفْتُون في الدول الإسلامية هذه الجريمة، ورابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، كما هدد “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” بمقاطعة المنتجات الدانمركية والنرويجية؛ إذا لم تمنع هاتان الدولتان نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما أعادت صحيفة نرويجية نشر الصور المسيئة. ودعا الاتحاد المسئولين في النرويج والدانمرك إلى الوقوف “موقفًا قويًّا من هذه الإساءات المتكررة إلى أمة الإسلام والى رسولٍ يؤمَن به ويتبعه مليار وثلث المليار من البشر”.

أما الشعوب الإسلامية فقد تتابع فيها الإنكار ليشمل كل فرد فيها، بين مستنكر برسالة أو بمقالة، أو بخطبة أو بدعاء حارّ على من مسَّ عِرْض رسول الله صلى الله عليه بسوء، أو بمقاطعتها للمنتجات الدانمركية، ومن ثَم بدأت المخاوف والقلق في الدانمرك؛ حيث أعلنت حالة من الاستنفار من الشركات العملاقة التي تعيش على ريالاتنا.

لُحْمَة الجسد المؤمن ازدادت قوةً وروعةً وتكاتفًا حين مسّت يدُ الصليبية مقامَ النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وكل فرد منهم لسان حاله يقول:

هجوتَ محمدًا فأجبتُ عنه      وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفءٍ         فشركما لخيركما الفداء

هجوت مباركًا برًّا حنيفًا        رسول الله شيمته الوفاء

فإن أبي ووالدتي وعرضي       لعرض محمد منكم وقاء

هكذا أنشد حسان رضي الله عنه من قبل، حين كان كفار قريش يتبارون في النيل من نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهو صابر محتسب، يدفع عنه ربه عز وجل، ويصرف عنه شتمهم كما ورد عنه في الصحيحين: ((ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا، وأنا محمد)). وهو ما يقع اليوم حين يرسم هؤلاء المجرمون صورًا مقطبة شريرة الملامح، تشير إلى ضد ما كان يدعو له الحبيب صلى الله عليه وسلم، فهم إنما يصوّرون شخصًا وهميًّا ليس نبينا في صورته ولا في أخلاقه ولا ملامحه؛ فوجه نبينا هو البهاء والنور، والجمال والجلال، والابتسامة التي لا تفارق محياه، بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.

لقد أحبَّه من حوله من صحابته حبًّا أذهل أعداءه، هذا خبيب بن عدي رضي الله عنه أمسك به مشركو مكة بعدما أمّنوه فغدروا به، وقرروا إعدامه، وجاءت لحظة التنفيذ، فجمعوا له الناس لكي يشهدوا قتله وصلبه، فأخذوا يعذّبونه بتقطيع جسده قطعة قطعة، وفي كل مرة يسأله أبو سفيان – وكان لا يزال على شركه-: أنشدك الله يا خبيب، اصدقني القول، هل كان يسرك أن يكون محمد مكانك تُضرب عنقه وأنت في بيتك سالمًا؟ فصاح خبيب: ولا أن تصيبه شوكة، فداه نفسي وروحي وأهلي. فقال أبو سفيان: والله ما رأيت أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا.

واستدار الزمان ودخل المصطفى صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا، وقضى طوافه فركع ركعتين ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها، ودعا بسجل من ماء فشرب وتوضأ، والمسلمون يبتدرون وضوءه [أي ما يتساقط من مائه] ويصبونه على وجوههم، والمشركون ينظرون إليهم ويتعجبون ويقولون: ما رأينا ملكًا قط بلغ هذا ولا سمعنا.

الحب الذي سكن قلوب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كان أعظم من تخيل المتخيلين، عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسوّي صفوف المسلمين إذ لامس بطنَ سواد بن غزية بجريدة كانت بيده، فانتهز سواد تلك الفرصة وقال: لقد أوجعتني يا رسول الله!! فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه الشريف، وقال: “استقد مني يا سواد”، فأسرع سواد فاحتضن رسول الله ثم جعل يقبل كشحه، ثم قال: يا رسول الله، لقد ظننت أن هذا المقام هو آخر العهد بك، فأحببت أن يمس جلدي جلدك كي لا تمسني النار.. !!

كانوا يفزعون من فراقه، ولا يتصورون حياتهم بدونه، أخرج أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: “يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري” فبكى معاذ جزعًا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يكن خوفهم من فراقه يقتصر على الدنيا بل تعداه إلى خشيتهم من فراقه في الآخرة، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إليَّ من نفسي، وإنك لأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].

الكبار ينافسون الصغار، والصغار ينافسون الكبار في حبّه صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه، كيف بك لو رأيتهم يحفّون به في المعارك، يدفعون عنه ضرب السيوف ونهز الرماح بصدورهم ونحورهم، رجالاً ونساء، وسل التاريخ عن أم عمارة وفتيان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

تعال معي وشاهد عبد الرحمن بن عوف وهو في الصف يوم بدر، يقول: إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن؛ إذ قالا لي: يا عم أرنا أبا جهل، فقال: فما تصنعان به؟ قالا: أُخبرنا أنه يسبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عبد الرحمن بن عوف: والذي نفسي بيده لئن رأيته لأخبرنكما، فقال أحدهما: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك فلم أنشب أن رأيت أبا جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: هل مسحتما سيفيكما؟ فقالا: لا، فنظر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى السيفين، فقال: كلاكما قتله.

أيها الإخوة المؤمنون .. يا أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم ..

إن سبّ هؤلاء الكفرة واستهزائهم ليس بضارٍ محمدًا صلى الله عليه وسلم، ولكن الله يبتلينا بما لا سبيل للعذر منه لينظر كيف نعمل، وقد قامت علينا حجة الله بعلمنا، ولو تطاول أحد على ذواتنا، لأقمنا عليهم ألسنة حدادًا، وواجهناهم بالوعيد، حتى يعتذروا أو نقتص منهم، وديننا ورسولنا أعظم من ذواتنا ولنتذكر يوم يَرِدُ الذَّابُّون عن عِرْض محمد صلى الله عليه وسلم حوضه، فيُرَدُّ عنه أقوام فيقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال له: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك!

إنه امتحان وابتلاء لنا، فإن لم تتمعَّر لنا وجوه، ونغضب لله غضبة على ما اعتدوا به، فما لنا من الله من عاصم.

يقول الله جل في علاه: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة التوبة: 61].

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من البيان، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله وحده، وأشهد ألا إله إلا الله لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله..

اليقظة قد تحتاج إلى هزة .. ويبدو أن أمة الإسلام اليوم باتت تحتاج إلى هزات لتستيقظ فيها همم عالية ولكنها نائمة، ومعانٍ سامية ولكنها مخدّرة، وسنن عظيمة ولكنها مهجورة، وعزة قاهرة، ولكنها اليوم مقهورة.

وما حدث في بعض صحف الدانمرك هي إحدى الهزات التي لا يحبها النائم، بل يكرهها، ولكنها باتت ضرورية لإيقاظه قبل أن يقتله نومه.

محمد صلى الله عليه وسلم أعظم نبي، وأشرف رسول، وأكرم مخلوق على الخالق والخلق، وما وُجِّه إليه صلى الله عليه وسلم من سباب وشتائم واستهزاء وسخرية ليس وليد العصر، ولا ابن اللحظة، بل بدأ من أقرب الناس إليه في مكة، واستمر عبر التاريخ من كل حاقد على دعوته الكريمة؛ بوصفه رمزًا لها؛ حتى كان شيخ الإسلام رحمه الله يقول: ((إن الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسبّه، ومُظهِر لدينه ولكذب الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، [ثم قال نقلاً عن معاصريه] كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه؛ حتى إذا تعرض أهله لسبّ رسول الله والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحه وتيسر، ولم يكد يتأخر إلا يومًا أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظًا عليهم بما قالوا فيه ))[الصارم المسلول 123].

وقد تعرّض الرسل من قبله لمثل ذلك؛ فكان التهديد الإلهي يلاحق المستهزئين {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} [الأنعام: 10]، وردت في سورتي الأنعام والأنبياء، وهي آية ظاهرة في حتمية عقوبة من يجرؤ على الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، تدل عليها آية أخرى يقول الله فيها: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [سورة الرعد: 32]، فقد يطول الإملاء، ولكن العذاب متحقق.

(كان النصارى ينشرون دعاتهم بين قبائل المغول طمعًا في تنصيرهم، وقد مهّد لهم الطاغية هولاكو سبيل الدعوة بسبب زوجته الصليبية ظفر خاتون، وذات مرة توجه جماعة من كبار النصارى لحضور حفل مغولي كبير عُقد بسبب تنصُّر أحد أمراء المغول، فأخذ واحد من دعاة النصارى في شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هناك كلب صيد مربوط، فلما بدأ هذا الصليبي الحاقد في سبّ النبي صلى الله عليه وسلم زمجر الكلب وهاج ثَم وثب على الصليبي وخمشه بشدة، فخلصوه منه بعد جهد ..

فقال بعض الحاضرين: هذا بكلامك في حق محمد عليه الصلاة والسلام.

فقال الصليبي: كلا، بل هذا الكلب عزيز النفس رآني أشير بيدي فظن أني أريد ضربه، ثم عاد لسبّ النبيّ وأقذع في السب، عندها قطع الكلب رباطه ووثب على عنق الصليبي وقلع زوره في الحال، فمات الصليبي من فوره، فعندها أسلم نحو أربعين ألفًا من المغول) [الدرر الكامنة 3/202].

ولكننا -نحن المسلمين- لا بد أن يكون لنا موقف خاص بنا للدفاع عن حبيبنا صلى الله عليه وسلم، فليس أشد على النفوس المؤمنة من أن يُنَال من ربها عز وجل أو من دينها أو من كتابها أو من نبيها صلى الله عليه وسلم، ولن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون ولا نقول: للنبي رب يحميه، لا بل يا أخي المسلم.. يا من يرجو شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويترقب اللحظة التي يرد فيها الكوثر فيشرب من يده شربة هنيئة لا يظمأ بعدها أبدًا، لقد بلغ بالنبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة عليَّ وعليك وعلى أمته جميعًا أن ظل ليلة من الليالي يصلي ويبكي ويدعو الله لأمته، ولم يزل على هذا النحو طيلة الليل كله حتى أرسل الله تعالى جبريل فقال: اذهب فاسأل محمدًا: ما الذي يبكيك؟! وربك أعلم. فذهب فسأله ثم رجع إلى الله تعالى فقال: يا رب إنه يقول: أمتي أمتي.. فقال الله تعالى: اذهب فأخبره أننا سوف نرضيه في أمته. وقد روى هذا الحديث الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

أخي المسلم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان” رواه أبو داود وصححه الألباني.

وقد آن لأريج الحب العظيم لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أن يزهو في القلوب المؤمنة، ليتحول إلى عمل، لإشعال ذبالة العشق الخالد للنبي الكريم، آن لنا أن ننصر رسولنا صلى الله عليه وسلم باتباع سنته في حياتنا الشخصية وبيوتنا، والدعوة إلى تطبيقها، وأن نستنكر بإرسال الرسائل الغاضبة إلى الصحيفة المجرمة، وسفارة الدنمرك، وأن نشارك في ترجمة كتب إسلامية بلغة الدنمركيين أنفسهم ليكون الفتح الحقيقي، والانتصار الحقيقي لهذا الدين في هذه البقعة، فالمتوقع هو زيادة الدخول في الإسلام من قبل الدنمركيين فيزداد أحباب محمد هناك وناصروه على الرغم من الأقلام الحاقدة.

نعم لم تكن تعلم هذه الصحيفة ولا من وراءها من اليهود والنصارى أن الإسلام مستكنّ في قلوب المسلمين، وأن ما أصاب كثيرًا منهم من وهن وضعف لا يعني عقم البذرة، ولا انطفاء الشعلة، ولكنه غبار الذنوب والشهوات والشبهات المثار من هنا وهناك، والذي تسهم فيه أيدٍ مسلمة، وأصوات مسلمة يتسمى بعضها باسم محمد وعلي وسعد وخالد، ويومًا ما سوف تستيقظ حتى هذه الأيدي الملوثة، وتغتسل من أدرانها بإذن الله لتعود إلى نقاء الفطرة، لتدعو إلى دينها بعد أن أوغلت في الصد عنه.

عجبي:

من كل من يملك قلمًا وزاوية وموقعًا وصحيفة وفضائية وفصلاً دراسيًّا، ثم لا يجعل له -بعدما كل ما سمع- إسهامًا واحدًا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولحكومة الدنمرك التي لم تعلن حتى الآن اعتذارها، ولشعبها المثقف أقول:

أليست هذه التصرفات الرعناء هي من أبرز أسباب إثارة النعرات بين الشعوب في العالم، في الوقت الذي يدعو فيه بعضنا إلى التسامح مع الآخر.

ألا يعلمون بأن هذه الاعتداءات أشد في نفوس المسلمين من ضربهم بالمدافع والطائرات؟ أليست وقودًا حقيقيًّا للتطرف والإرهاب؟

ماذا سيكون موقف الشباب المسلم الذي يفتقد العلم والحكمة حين يُسَبُّ نبيُّه صلى الله عليه وسلم؟!

في الوقت الذي تدعو فيه الشعوب الأوربية والأمريكية للسلام، في أي خانة يمكن أن نضع هذه التصرفات من جدول السلام؟!

نؤمن حقيقة بأنه لم ولن تمسّ شمس الرسول المضيئة ذرة رماد من حريق الحقد الذي أوقده هؤلاء: وهل سيطفئ ضوء الشمس شتام؟

ولكن الإنسان يكره من يكره حبيبه.. وإننا والله لنبغض في الله كل من يعتدي على ربنا أو كتابنا أو ديننا أو نبينا .. ونسأل الله تعالى أن يهديه للإسلام ليكون أخًا حبيبًا لنا، أو أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر ليكفي المسلمين شروره. اللهم رد عن نبيك وادفع عن رسولك واكفناهم بما شئت.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.

اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنّك يا أكرم الأكرمين.



اترك تعليقاً