أشد الناس عداوة

أشد الناس عداوة

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار.

أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وطاعته، استجابة لأمر الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 1.2].

أيها الإخوة المؤمنون:

إن استمرار تفجر الأوضاع في أرض فلسطين، وهذه المواجهات غير المتكافئة بين شباب عُزّل في الجانب الفلسطيني، وجنود مدججين بالأسلحة في الجانب اليهودي، واستخدام اليهود الصواريخ والطائرات والدبابات والمصفحات إلى جانب الرشاشات ليثير في أنفسنا تساؤلات عديدة، كلها يبدأ بلماذا؟

وكلها إذا بحثنا عن إجاباتها سنجدها ماثلة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان. ذلك لتعلم أمتنا بأن اليهود هم اليهود لا يتغيرون عبر القرون، وأن النفسية اليهودية نفسية تاريخية لا تتشكل بالحاضر بقدر ما تحتفظ بسمات أجدادها، وأنها لا تعيش عداوات اليوم بقدر ما تعيش أحقاد الأمس، وأن إخراجهم من خيبر، وقتلهم بني قريظة، واغتيال أشرافهم في المدينة، يحرك قلوبهم المريضة حتى اليوم، متناسين من جانبهم كل العداوات التي نصبوها للإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم وأهله.

فلو تساءلنا لماذا انتقل اليهود من المواجهة اليدوية وإن كانت مدججة بالرشاشات إلى الاختباء وراء الحديد أيا كان شكله، يجبنا الله تعالى في قوله: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14] إنه الجبن الذي ينطوي عليه قلب اليهودي، ولذلك فلا غرابة أن نرى الطفل الصغير أو الشاب الأعزل يحيط به خمسة من الجنود يعززهم خمسة آخرون وهم خائفون منه.

ولو تساءلنا فلماذا كل هذا القتل والضرب والاعتقال والتعذيب وهدم المنازل وتشريد أهلها يجبنا الله تعالى بقوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة: 82].

إنه تقرير من رب العالمين، لا يمكن أن يتغير أو يتبدل، فلقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها دولة الإسلام في المدينة، وتضمن القرآن الكريم من التقريرات والإشارات عن هذا العداء وهذا الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الحرب المريرة التي شنّها اليهود على الإسلام وعلى رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الأمة المسلمة في تاريخها الطويل، والتي لم تخب لحظة واحدة طوال هذه القرون، وما تزال حتى اللحظة يستعر أوراها ليس في فلسطين وحدها وإنما في كل أرجاء الأرض.

فإذا كانت الساحة العسكرية التي يخوض فيها اليهود علنًا معركتهم مع المسلمين في فلسطين، فإن هناك أكثر من ساحة غيرها، وما مشاركاتهم مع الهندوس في حربهم ضد المسلمين في كشمير ببعيد.

ولكن الساحات تتعدد، ففي الإعلام ـ وأكبر وسائله العالمية في أيديهم ـ حرب شرسة ضد كل من هو مسلم، أو حتى عربي، يصور بأبشع الصور وأقذرها، ويهاجم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم علنًا، ويوجه إلى المسلمين منه ما يزرع الشهوة المعربدة في قلوب الشباب، ليزعزع الإيمان، ويضعف الوازع الديني، ويكون الشاب المسلم مسخًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا. وما الهجمة المجرمة على بلاد الحرمين التي تشنها الأجهزة الصهيونية ومن تابعها وعززها في بعض وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية إلا صورة قبيحة من آخر تلك الصور.. ولا أظنها الأخيرة، وما أظنها ركزت على هذه البلاد إلا لأنها تمثل الإسلام، برفعها علم التوحيد، وإعلانها الدائم أنها تتمسك بالإسلام، وتطبّقه في نظام حكمها.

وقل مثل ذلك في الساحة الاقتصادية التي ملكوا رءوس أموالها في عدد من الدول الكبرى، فوجّهوها لتخدم أغراضهم الدنيئة، ومصالحهم الأنانية. وفي غيرهما من الساحات ما هو أشد وأنكى.

إن النفسية اليهودية نفسية خبيثة الطوية، لا تنظر إلا إلى نفسها، فلتحترق جميع الشعوب ليسلم يهودي واحد، وليذهب حتى الأصدقاء من النصارى إلى الجحيم إذا كان في ذلك مصلحة الشعب اليهودي، وعلى هذا يكون تعاملها مع جميع الناس دون استثناء.

وإذا كان الله تعالى نالته ألسنتهم فكيف بالبشر، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].

فالشعب المختار كما يزعمون هو شعب مبغوض من الله تعالى بنص كلامه عز وجل، بل هو ملعون أشد اللعن على لسان رسله، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 78- 79].

وإذا كانوا كذلك مع الله ورسله فهل نرجو نحن منهم أن يهدأ بيننا وبينهم ثأر، أو يستقيم عهد واتفاق، والله تعالى يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].

بل هي نداءات متكررة، وتحذيرات متتابعة لأمة محمد أن تظن أن عند خصمها اللدود نصرة لها، يقول الله تعالى في تحديد مبدأ الولاء والبراء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51- 52].

والتاريخ يشهد، فلقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم معهم معاهدة تعايش منذ أن قدم المدينة، ودعاهم إلى الإسلام، ولكنهم لم يفوا بالعهد كعادتهم مع كل أنبيائهم من قبل حتى قال الله فيهم: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ * أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 99- 100].

فراحوا يؤلبون كل قوى الجزيرة العربية المشركة، ويجمعون القبائل المتفرقة لحرب المسلمين، {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51].

ولما غلبهم الإسلام بقوة الحق، استداروا يكيدون له بدسّ المفتريات في مبادئه، وإثارة الفتن في صفوفه، وتأليب الخصوم عليه، حتى انتهى بهم المطاف أن يكونوا في العصر الحديث هم الذين يقودون المعركة ضد الإسلام، مستخدمين الصليبية والوثنية في حربهم الشاملة ضد كل جذر من جذور ديننا.

إن الذي ألَّب الأحزاب على المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع بين يهود بني قريظة وغيرهم وبين مشركي قريش وبين القبائل الأخرى يهوديٌّ.

والذي ألَّب العوام وجمع الشراذم وأطلق الشائعات في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وما تلاها من النكبات يهوديٌّ.

والذي قاد حملة الوضع والكذب في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الروايات والسير يهوديٌّ.

ثم إن الذي كان وراء إثارة النعرات القومية في بعض البلاد الإسلامية المعاصرة، ووراء عزل الشريعة عن الحكم فيها، وإلغاء الخلافة فرقة من اليهود.

ووراء النزعة الإلحادية في روسيا يهوديّ، ووراء النزعة الحيوانية الجنسية يهوديّ، ووراء معظم النظريات الهدامة لكل المقدسات والضوابط يهود.

ولقد دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ولكنهم علموا وأبوا، والشواهد على ذلك كثيرة، فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِدْخَالِ رَجُلٍ إِلَى الْجَنَّةِ فَدَخَلَ الْكَنِيسَةَ، فَإِذَا هُوَ بِيَهُودَ وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ التَّوْرَاةَ فَلَمَّا أَتَوْا عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسَكُوا وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكُمْ أَمْسَكْتُمْ؟ قَالَ الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا، ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ فَقَالَ هَذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ ((لُوا أَخَاكُمْ)) رواه أحمد.

وكلنا يعلم ما فعله رؤوس اليهود في المدينة حين علموا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان على حق، حيث تعاهدوا على عداوته ما بقوا، وذلك حسدًا من عند أنفسهم. وهو حرمان لهم من الجنة، فلقد َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَمَاتَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم وأحمد.

وصدوا عن سبيله قومهم، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَقَالَ صَاحِبُهُ لَا تَقُلْ نَبِيٌّ إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، فَقَالَ لَهُمْ: (لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً الْيَهُودَ أَنْ لَا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ قَالَ فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ فَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي، قَالُوا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ.. رواه الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ولقد أنقذ الله تعالى نفرًا منهم من النار، فاتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ليكونوا حجة على قومهم ومنهم عبد الله بن سلام، الذي قال فيه مُعَاذ بْن جَبَلٍ حين حضره الْمَوْتُ: ((إِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةِ رَهْطٍ عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ. رواه الترمذي وقال حَسَنٌ غَرِيب.

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله ولي الحمد وأهله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فإننا حين نُفتِّح صفحات التاريخ الإسلامي، وما فيه من عداوات اليهود للمسلمين، فسنجد ملف القضية مثقلاً، ولعل أكبر ما يواجهنا هو عداوة اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم، والتي اتخذت صورًا عديدة، فمنها محاولتهم سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، قَالَتْ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ. قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ قَالَ وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ. قَالَتْ فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ قَالَ لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ. رواه مسلم

ومنها: أنهم كانوا يدعون عليه بالموت صلى الله عليه وسلم وهم يوهمونه بالسلام، فعن أَنَس بْن مَالِكٍ يَقُولُ مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَعَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ؟ قَالَ: لَا، إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ” رواه البخاري.

بل حاول اليهود قتله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، ومنها ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ، وكان مما قال: أَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْمُ، فَقَالَ ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ، فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الْأَنْصَارِيُّ فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ؟ قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صَنَعْتُ، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكًا أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَتْ ثُمَّ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَازِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي. هذا لفظ أبي داود، وقد رواه مسلم وبعض أصحاب السنن بألفاظ أخرى.

ولم يسلم المجتمع النبوي من شرهم، فلقد كانت تقع منهم جرائم مروعة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَارِيَةٍ ( فتاة صغيرة ) فَأَخَذَ أَوْضَاحًا (أي حليًّا من فضة ) كَانَتْ عَلَيْهَا وَرَضَخَ رَأْسَهَا فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَقَدْ أُصْمِتَتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَكِ فُلَانٌ لِغَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا، قَالَ فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا فَأَشَارَتْ أَنْ لَا، فَقَالَ فَفُلَانٌ لِقَاتِلِهَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. رواه البخاري.

وهي صورة يهودية تتكرر كل يوم على أرض المعراج مع أطفال الحجارة، بقلوب أشد قسوة من الحجارة. وما قتل الفتاة الفلسطينية ذات الثلاث والعشرين ربيعًا بكعب بندقية يهودي منا ببعيد.

بل هي عداوة سوف تستمر مع هذا الشعب الخبيث إلى قبيل قيام الساعة، فقد ورد في حديث طويل عَنِ الدَّجَّالِ وذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ((لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا وَطِئَهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لَا يَأْتِيهِمَا مِنْ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهِمَا إِلَّا لَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّيُوفِ صَلْتَةً حَتَّى يَنْزِلَ عِنْدَ الظُّرَيْبِ الْأَحْمَرِ عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبَخَةِ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَلَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ فَتَنْفِي الْخَبَثَ مِنْهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَلَاصِ، فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ أَبِي الْعَكَرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الصُّبْحَ فَرَجَعَ ذَلِكَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ يَمْشِي الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: افْتَحُوا الْبَابَ فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا وَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ فَيَقْتُلُهُ فَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَا حَجَرَ وَلَا شَجَرَ وَلَا حَائِطَ وَلَا دَابَّةَ إِلَّا الْغَرْقَدَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لَا تَنْطِقُ إِلَّا قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ اقْتُلْهُ … رواه ابن ماجة وغيره.

وإني لا أريد أن أختم خطبتي دون أن أحضّ نفسي وإخواني المسلمين على أن يكون لنا موقف مما يدور في قدسنا الشريف، يتمثل في أن نعيش بقلوبنا مأساة إخواننا، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وأن نستجيب لنداء أولياء أمورنا بالتبرع لأبطال الانتفاضة دعمًا لهم، كيف وقد سبقونا هم بالتبرعات السخية تقبل الله منهم ومنا ما أنفقناه في سبيله وابتغاء مرضاته. ويجب ألا ننسى إخواننا من الدعاء الدائم المخلص الخاشع أن يهيئ الله للقدس فرسانها، وأن يفك بهم أسرها، وأن يرزقنا في مسجدها الأقصى صلاة آمنة مطمئنة نهنأ بركوعها وسجودها، إنه سميع الدعاء.

ثم صلوا وسلموا على معلم الناس الخير ومربي البشرية على منهج الله القويم سيدنا ونبينا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله كما أمركم الله جل وعلا بذلك فقال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.

اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، وهيئ لأمة الإسلام أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



اترك تعليقاً