اكتشف سعادتك في بيتك
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار.
أما بعد: فاتقوا الله عباد، وصية الخالق لخلقه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13].
وإن للتقوى ثمرات، ومن ثمراتها: استقامة الحياة على منهج الحق الوسطي، الذي يعطي للدنيا قدرها، ويعطي للآخرة حقها، فيسعد العبد في الدارين، ولا شك أن من أبرز دواعي السعادة في الدنيا أن يقترن كل من الرجل والمرأة بالإنسان الذي يحبّه، ويحب الطباع التي جُبل عليها؛ لتأتلف النفوس، وترتاح القلوب، وتثمر الحياة الزوجية عطاءً فياضًا، تظهر آثاره على المجتمع والأمة بأسرها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق” رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة” رواه مسلم.
ولا شك أن الرجل الصالح هو خير ما تكتنزه المرأة في حياتها كذلك، والذي من صفاته ما ينبغي عليها هي أن تتصف به في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً؟ على كل هيّن ليّن، قريب سهل” أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وفي المقابل، فإن من أجلّ صفات المرأة ما أورده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أيّ أبواب الجنة شئت” [رواه ابن حبان وصححه الألباني]، تلك الطاهرة العفيفة: فقد قيل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أيّ النساء أفضل؟ فقالت: التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها، ولإبقاء الصيانة على أهلها.
وقد ذمّ العرب من النساء ستًّا: الأنانة: التي تكثر التشكي والأنين، وتعصب رأسها كل ساعة، والمنانة: التي تَمُن على زوجها فتقول: فعلت لأجلك كذا وكذا، والحنانة: التي تحن إلى زوج آخر، أو ولدها من زوج آخر، والحداقة: التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه، وتكلف الزوج شراءه، والبراقة: التي تمضي معظم وقتها في تصقيل وجهها وتزيينه ليكون لوجهها بريق محصل بالصنع أو التي تغضب على الطعام، فلا تأكل إلا وحدها، وتستقل نصيبها من كل شيء. والشداقة: وهي المتشدقة الكثيرة الكلام.
ولا شك أن أعظم ما يؤلف بين الزوجين حسن الخلق بينهما، وصبر أحدهما على الآخر، وإعانته على نفسه حتى يقلع عن كل خلق سيئ، عن ابن جعدبة قال: كان في قريش رجل في خُلقه سوء، وفي يده سماح أي كرم، وكان ذا مال، فكان لا يكاد يتزوج امرأة إلا فارقها لسوء خُلقه وقلة احتمالها، فخطب امرأة من قريش جليلة القدر، وبلغها عنه سوء- فلما انقطع ما بينهما من المهر قال لها: يا هذه! إن فيَّ سوء خُلق، فإن كان بك صبر، وإلا فلست أغرك بي. فقالت له: أسوأ خُلقاً منك من يحوجك إلى سوء الخلق، ثم تزوجته، فما جرى بينهما كلمة حتى فرَّق بينهما الموت.
أيها الأحبة في الله..
واسمحوا لي أن أكمل شيئًا مما يدخل تحت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرًا)) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)) رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد أشرت إلى قاعدة في السعادة الزوجية من قبل، مقسومة بين الزوجين، هي أن من أراد إسعاد نفسه فليسعد زوجه، ومن هنا جاءت الوصايا النبوية بإضفاء روح المرح بين الزوجين، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد صحابته: ((هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك)) رواه البخاري، فهو مطلوب من الجانبين، بل إن عائشة عجبت من أمر أحد أقاربها كيف دخل على امرأته، ولم يقبلها ويلاعبها، فلما اعتذر بالصوم ذكرت له أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم. ولا شك أن ذلك لمن يملك إربه خلال الصوم.
نعم إن للزوجة حقًّا في المزاح في بعض الأوقات، بل لها أن تمنحها جزءًا خاصًّا من وقتك، وها أنت ذا تفعل ذلك مع أصدقائك أو ليست الزوجة أكبر حقًّا منهم عند الله؟! والمرأة مدعوة للمبادأة بالممازحة كذلك.
ومما تحبه النفس، والزوجة تحبه أكثر، هو مفاجأتها بالهدايا، أو بالأخبار السارة، أو بتلبية رغبة قديمة لها تيسر أمرها بعد طول انتظار، وفي الحديث: ((تهادوا تحابوا))، والمرأة أيضًا لو أنها فعلت ذلك لبلغت عند زوجها مبلغًا من الحب والتقدير. وليس الأمر في عظم ثمن الهدية، ولكنه في أن يعبّر أحد الزوجين عن حبّه للآخر بأي شيء محبوب إليه وإن قلّ.
ومن حُسن العشرة بين الزوجين: مراعاة الآخر في حال مرضه، أو توتره النفسي لأي سبب من الأسباب، وإظهار الحرص من جانبه على حلّ مشكلاته، والاهتمام بها اهتمامًا بالغًا، لأنها تمثل مشكلته الشخصية.
وإذا كان الزوج يأنف من كثرة طلبات زوجته، فهي كذلك، فلا يطلب منها إلا ما تستطيع، وعليها أن تطيعه في كل ما يأمرها به ما دامت تقدر.
وإن من الأمور التي يسعد بها الرجل مع المرأة، وتسعد بها المرأة مع الرجل النظافة بينهما، فإن إهمال هذا الجانب يُوجب نفور أحد الطرفين من الآخر، والوقائع تشهد بأن خلافات زوجية ومشكلات كثيرة نشأت، وأدت إلى تفرّق الأسرة بسبب إهمال الرجل النظافة في جسده، أو إصراره على التدخين، أو مثل ذلك من الأمور التي تدل على عدم اكتراث الرجل بأمر النظافة، بينما هو يطالب بها زوجته.
الإسلام دين النظافة، قال ابن الجوزي: ((تلمحت على خُلق كثير من الناس إهمال أبدانهم، فمنهم من لا ينظّف فمه بالخلال بعد الأكل، ومنهم من لا ينقّي يديه بغسلهما من الزهم -وهو ما نسميه (الزفورة) من رائحة اللحم والدهون- ومنهم من لا يكاد يستاك، وفيهم من لا يكتحل، ومنهم من لا يراعي الإبط إلى غير ذلك، فيعود هذا الإهمال بالخلل في الدين والدنيا، أما الدين، فإنه قد أمر المؤمن بالتنظف والاغتسال للجمعة لأجل اجتماعه بالناس، ونهى عن دخول المسجد إذا أكل الثوم، أمر الشرع بتنقية البراجم وقص الأظفار والسواك والاستحداد (حلق العانة)، وغير ذلك من الآداب.
وأما الدنيا والكلام لا يزال لابن الجوزي: “فإني رأيت جماعة المهملين أنفسهم يتقدمون إلى السرار -المناجاة عن قرب- والغفلة التي أوجبت إهمالهم أنفسهم أوجبت جهلهم بالأذى الحادث عنهم، فإذا أخذوا في مناجاة السر يمكن أن أصدف عنهم، فألقى الشدائد من ريح أفواههم.
ثم يوجب مثل هذا نفور المرأة، وقد لا تستحسن ذكر ذلك للرجل، فيثمر ذلك التفاتها عنه، وربما شكى من ذلك، وهو لا يعلم أنه سبب ذلك”.
وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أنظّف الناس وأطيب الناس، وكان يكره أن يشمّ منه ريح ليست طيبة. وقد قالت الحكماء: من نظَّف ثوبه قلّ همه، ومن طاب ريحه زاد عقله، ومن ثَم فإنه يقرب من قلوب الخلق، وتحبّه النفوس لنظافته وطيبه.
ثم إنه يؤنس الزوجة بتلك الحال، ولها حق، فإن النساء شقائق الرجال، فكما أنه يكره الشيء منها، فكذلك هي تكرهه، وربما صبر هو على ما يكره وهي لا تصبر” [صيد الخاطر باختصار وتصرف يسير].
يقول الله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة البقرة: 228]. بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي المتقين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتق الله يا عبد الله في جميع أمور حياتك.. تلك طريق السعادة، واعلم أن عدو السعادة الأخطر هو القلق والتوتر، فمن عاش في أسر الخوف من كل شيء، والتوقع السيئ لكل شر، فلن يستطيع أن يحقق السعادة الكاملة، والواقع أن كثيرًا من الناس ينتابهم القلق في حياتهم الزوجية بأسباب كثيرة؛ بسبب الشعور بعدم القدرة على الإنفاق في المستوى الذي يتمناه الرجل أو تحلم به المرأة، وذلك بسبب النظر إلى عيشة الآخرين، غافلين عن أن الأرزاق مقسومة، وأن العاقل من عاش حسب قدر رزقه {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [سورة الطلاق: 7]، ولو فقُه الناس اليوم هذه الآية لارتاحت أسر كثيرة من معاناة الرغبة في اللحوق بالآخرين في مصاريفهم، بل وإسرافهم أحيانًا.
وهناك وخلافات كثيرة في البيوت اليوم بسبب راتب المرأة، أدت إلى خراب عدد من بيوت المسلمين، فبدلاً من أن يكون راتبها عونًا على تأمين متطلبات الحياة العصرية الكثيرة جدًّا، يحدث الخلاف والشقاق بينهما، وهنا أوصي الزوجين بالتعالي على الماديات بينهما، وأن ينظرا دائمًا إلى المصلحة المشتركة بينهما، وإلى مستقبل أسرتهما وأولادهما، ولا شك أن الراتب حق من حقوق الزوجة، ولكن الرجل أيضًا يتنازل عن حقه في بقاء امرأته في بيته ترعى أولاده وشئونه، فلماذا لا تتنازل المرأة عن شيء من مالها لزوجها، ولاسيما ما دام محتاجًا له لتأمين السكن المريح والعيش الكريم لزوجته وأولاده، والله تعالى يقول: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [سورة النساء: 4]. والوسطية جميلة في كل أمر، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، فلكل مشكلة حلّ، والمقصود من إيراد هذه القضية هنا أن أدعو الزوجين إلى وضع حل مناسب لكل قضية مالية تصنع التوتر بينهما، بل وتحويلها إلى فرصة من فرصة تنمية الحب بينهما، وإشاعة البهجة والسعادة.
والتوترات في الحياة الزوجية، ليست مالية فقط، فهناك من يخاف من تغير سلوك زوجته، ومن جانب النساء أكثر، فالمرأة حساسة جدًّا من تغير سلوك زوجها، تفسر كل كلمة تخرج من فيه أنها تفكير في غيرها، أو أن يقصدها، وعلاج ذلك التسامي على كل هذه الانفعالات، وتدريب النفس وتعويدها على تحمل كلام الآخر وتصرفاته.
ومما يشيع التوتر بين الزوجين، ويحدث الشقاق، دون أن يستطيع أن يصارح به أحد الزوجين الآخر، هو عدم الإشباع الجنسي، وهو حق لكل منهما على الآخر، وفي البخاري: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ [ تريد أنه غير قادر على الجماع ]، فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ، وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”، فانظر كيف عجب الصحابة من صراحة المرأة، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستنكر عليها صراحتها، بل علمها فقه المسألة، ووضع بين يديها الحل لمشكلتها.
وقد اشتكت امرأة أخرى لولي أمر المسلمين بأن زوجها يقوم الليل ويصوم النهار، تريد أنه لا يأتيها، وفي سنن الترمذي عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ مُتَبَذِّلَةً؟ قَالَتْ: إِنَّ أَخَاكَ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيَقُومَ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ: نَمْ فَنَامَ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ، قَالَ لَهُ سَلْمَانُ: قُمِ الْآنَ، فَقَامَا فَصَلَّيَا، فَقَالَ: إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: صَدَقَ سَلْمَانُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
فالقضية برغم حياء الناس منها، والذي أدى إلى كثير من الشقاق مطروحة بصراحة في كتب السنة، وليس لنا أن نهدم البيوت بالطلاق قبل أن نتحسس مواطن الخلل.
وأعجب أسباب القلق: الخوف من حدوث وفاة مفاجئة فتضيع الأسرة، فهذا النوع من القلق لا داعي له، وهو يصيب أولئك المذبذبين الذين يعتمدون على الأسباب، ولا يتوكلون على مسبب الأسباب، فالنتائج بيد الله تعالى وحده، فكما أننا نفرح بخير القضاء، فمن الواجب علينا أن نرضى بشرّه، ذلك من أصول الإيمان، ولا بأس أن يأخذ أحدنا بالأسباب، ويدفع القدر بالقدر، مع التوكل التام على الله واللجوء والتضرع إليه، وسؤاله العفو والعافية.
وآخر ما أوصي به نفسي في هذه الخطبة مرجئًا البقية إلى خطبة قادمة إن شاء الله، هو وصية الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب)) رواه البخاري، فإن معظم حالات الطلاق، أو حتى النفور بين الزوجين تكون في حالات الغضب؛ حيث تندّ من أحدهما كلمة أو فعل يبغضه الآخر، فيتمسك به ويهيج، وتقع الكارثة. وإن الرجل إذا هدأت ثورة غضبه ندم على هذا التصرف الذي وقع منه، وقد يكون طلاقاً بائناً فلا ينفع ندمه حينئذ ويخسر زوجته التي يحبها، وشتت شمله وولده.
أقول بكل ثقة: إن أية عادة يمكن التخلص منها بإذن الله، مهما كانت متمكنة من النفس، فإن الحلم بالتحلم، والطبع بالتطبع، وخلال فترة تدريب النفس على ترك الغضب أوصيك وأوصيك بعدم الاستسلام للغضب؛ بحيث يستفزكما أي تصرف، وحدث نفسك فورًا أن الغضب سمة لا خير فيها إلا أن تكون لله، وأنه ربما أساء إليك من حيث تشعر أو لا تشعر، وأن من يسيطر عليه الغضب يصبح من سماته التي لا تكاد تفارقه، وأن من يكن كذلك فقد السعادة، وامتلأت حياته بالنكد والأحزان، فالغضب إذا زاد عن حدّه خرج عن حدود العدل والرحمة والإنصاف، إلى الظلم والقسوة والإجحاف. وأن الرجل الذي يظن أن غضبه وشدته على أهله من القوة والرجولة هو مخطئ ولا شك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب [متفق عليه]، وقد كان ذلك خُلق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يغضب لنفسه قط.
اللهم أسعدنا في بيوتنا مع أهلنا وأولادنا وذوينا.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.
اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.