البويات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار

عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وطاعته، استجابة لأمر الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.

أما بعد فيا معاشر الإخوة المؤمنين:

تحيط بشبابنا وفتياتنا ـ اليوم ـ مُغريات وشبهات، ولا نزال نتفاجأ ـ كل حين ـ بحالات تتحول إلى مشكلات، ثم تكبر وتكبر فتتحول المشكلات إلى ظواهر يُخشى أن تعم قتتأبى على العلاج، حتى يستسلم المجتمع لها، ويتركها تعيث في الأجيال المتتابعة لا قدر الله تعالى.

والمتفحص لهذه الظواهر يجد عددا كبيرا منها تعود إلى تقليد الغرب والدخول في جحورهم؛ جحرا جحرا.. مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ “لتتبعنَّ سَنَنَ الذين من قبلكم . شبرا بشبر ، وذراعا بذراع . حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم قلنا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟” رواه الإمام مسلم.

إنها الهزيمة النفسية التي تجعل الفرد يتباعد عن مصدر قوته وعزته وتفرده، فيجد نفسه خاليا من معانيها الكبيرة، فإذا به ينساق إلى التشبث بمن يملأ له هذا الفراغ، فيلقي نفسه في محاضنَ لا تفرق بين حلال وحرام، وينشيء لنفسه مجتمعا صغيرا لا يجرِّمُها، بعيدا عن أعين المجتمع الذي يصنفها في قائمة كبائر الذنوب في الإسلام بلعن من يفعلها، وهنا ينبثق سؤال: هل للمجتمع أن يسكت عن تلكم الظواهر البائسة، ويمررَها لمن يبتدعها، وينشرُ شرها، أم يجب عليه أن يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

في الحديث الحسن “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال وراكب الفلاة وحده”. حديث حسن.

يؤكد هذا الحديث النبوي العظيم تحريم العبث بالجنس البشري، ومحاولات تمويه حقيقته الخَلقية، فلا الرجال يحل لهم الاقتراب من خصائص النساء، ولا النساء يجوز لهن العبث بملامحهن الأنوثية ليكن شبه رجال.

قبل بضع عشرة سنة بدأت حالات غريبة في بعض الدول المجاورة، تجمعات شبابية تسمى الجنس الثالث، شباب في صورة نساء، ثم تجرأت الفتيات فأنشأن لهن مجموعات أخرى تسمى الجنس الرابع، نساء في صورة رجال، ولدرء الاسم الشرعي (المسترجلات) الذي يحمل معه لعن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يعمل بعملهن، اتخذن اسما جديدا يشير إلى بلد المنشأ المشكلة وهو الغرب، حيث تسمين (بويات) (boys)؛ واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، فيا شقاء من يطرد من رحمة الكريم العظيم، فلا يكون له إلا الطاغوت وليا وحميما.

لقد تفشت هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا وعلى بيوتنا وعلى أخلاقنا، ولا تزال أعداد الفتيات المتأثرات بها في تزايد؛ حتى أزعج ذلك المؤسسات التعليمية، والجهات الحكومية المعنية في دول الخليج، حتى وصل الأمر ببعضها بالمطالبة بفصلهن من الجامعات والمدارس حتى يقلعن عن هذه السلوكات المنحرفة.

أيها الأحبة في الله

من هؤلاء الفتيات؟ ومن أي كوكب أتين؟ وكيف يقمن بكل ذلك في مرأى ومسمع من أسرهن وهن يسرحن ويمرحن في بيوتهن، ويخرجن إلى الجامعات والثانويات بأشكال تميزهن، ومع ذلك فقد غاب دور الأسرة بشكل خطير جدا!!

ربما اعتذر أحد الآباء فقال: “من أين لي أن أعلم بهذه التغيرات وأنا لا أجالس ابنتي، ولا أراها إلا لماما، إنه يدافع عن الخطأ بخطأ أسوأ منه، فما ضيع بعض البنات، وألقاهن في أحضان المنكر والفاحشة إلا هذا البعد عنهن، والجفوةُ في التعامل معهن، لقد ترك ذلك فرصة واسعة للثعالب الماكرة؛ لتصطاد من تشاء منهن بأقل الكلام، وأسهل الطرق، وخاصة بعد أن انتشرت في أيدي الجميع وسائل الاتصال والتواصل.

أيها الأب الغيور على ابنتك .. الحريص على تربيتها وعفافها..

الأنثى تريد من يسمعها فكن أنت، وتريد من يشبع احتياجها من الحب والحنان فكن أنت، وتريد من يلبي طلباتها ويخرج بها ـ بعض الوقت ـ بعيدا عن مصنعها وبيتها فكن أنت، وإلا .. فقد يقوم بهذا الدور آخرون لا يألون في مؤمنة إلا ولا ذمة… عافانا الله جميعا من كل سوء.

لقد اتخذت هذه الظاهرة مراحل ثلاثا: أولها: يقف عند حد المظهر فقط؛ فنجد أن البنات يحلقن شعورهن ليجعلنها قصيرة كالشباب، ويحلقن الذقن والشارب والعارضين؛ كي يُبدين شعرا خشنا كالرجال، إلى جانب إلى أنهن يقمن بتغيير أصواتهن لتأخذ نبرة صوت الذكور، كما يلبسن عادة الأحذية الرياضية ويرتدين البناطيل والقمصان الرجالية، ويبرزن صدورهن ويضربن الأرض في مشيتهن، والأدهى وقد يلبسن الضاغط على الصدر لإخفاء معالم أنوثتهن، بل ويغيرن أسماءهن إلى أسماء الذكور؛ فسعاد سعد، وخلود خالد وهكذا. وبهذا يتنامى الشعور الذكوري لدى البنت المسترجلة فتتحول إلى المرحلة الثانية؛ وهي الأخطر حيث يظهر على سلوكها آثار ذكوريتها الجديدة، فتقوم بتقمص سلوك الفتيان من حيث المظهرُ العام، وتكوينُ عصابات، وفرضُ علاقات غير سوية على بعض الطالبات؛ تأخذ أحيانا شكل تحرشات في حمامات المدارس ـ أعزكم الله ـ وتصل أشكالها للتقبيل والتلامس الجسدي.

وأما المرحلة الثالثة فتصل بهؤلاء البنات إلى الشذوذ الجنسي بكل معانيه، ويتحولن إلي مِثليات؛ أي سحاقيات، وهنا تكتمل الطامة الكبرى وتدخل البنت في حالة مرضية تحتاج إلى علاج نفسي وتأهيل اجتماعي، وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء المنحرفات إلى محاولات الابتزاز للفتيات والاغتصاب لهن، وهنا تكمن الخطورة حيث يتواجدن في أوساط بناتنا بصفتهن بنات، وقد يقمن بدور الذكور من تصوير واستغلال لتلك الصور؛ لتحقيق مآربهن، بل ويصبح لديها أصدقاء شباب تتعامل معهم وكأنها واحد منهم..

إن هذه الملامسة لهذه الظاهرة ولا أقول المعالجة، حسبها أن تثير القضية أمام كل من يعنيه نظافة مجتمعه من الفساد، الذي من طبيعته أن يتسع إذا لم يعالج.

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة النــور 24/19].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الأخرى/

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على عظيم فضله وامتنانه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا  أما بعد فاتقوا الله عباد الله

واعلموا بأن (الاسترجال) تمرد من الفتاة على أنوثتها التي قد تكون أهينت بتقديم الذكر عليها في التعامل في الأسرة، أو قد تكون تعبيرا عن شوقها إلى (الذكورية) التي ترى تقديرها من خلال تسليط أخيها الذكر عليها، والسماح له بأن يتجاهل حقوقها، ممعنا في الاستخفاف بها بوصفها (امرأة) وهو رجل، فتكبر وهي تتلظى جمرا، تنتظر لحظة يمكن أن تتقمص فيها دور الرجل ولو خداعا للنفس وللناس؛ لتنتقم لتلك المرحلة التي كانت تشعر فيها بالضعة والتدني، وقد تكون حياتها مع الذكور فقط دون الإناث لظرفها الأسري الخاص دور في ذلك.

ولا شك أن ذلك لا يقع إلا في حالة ضعف التقوى، والبعد عن الله؛ فلو تربت الفتاة على معاني الإيمان لما رضيت بهذا الدنس، إلى جوار اضطرابات نفسية و خلخلات اجتماعية تشجع على هذا السلوك، خصوصاً في حال وجود توتر في الظروف الأسرية، أو عدم استقرار المنزل بسبب أحد الوالدين.  

كما أسهم ـ في انتشار الظاهرة ـ ذلك الانفتاح السلبي على العالم الغربي من خلال الفضائيات والإنترنت، ومثل هذه التصرفات تستجيب للرغبة الأنثوية في التماشي مع الموضة أو التقليد الأعمى؛ لتحقيق التميز عن بقية البنات في المحيط الخاص بهن، سواء في المدرسة أو في الجامعة.

والأدهى من ذلك والأمر أن تتحول هذه التكتلات البناتية إلى مجموعات منظمة؛ لكل منها رئيسة تقوم بدور سلطوي، تتحكم من خلاله فيهن، فتسميهن بأسماء الذكور، وتوزع أدوارهن، وقد تختار لكل منهن فتاة تمارس معها دور الرجل والمرأة، وقد تعقد بينهن نكاحا وتشهد عليه، وتمعن في الفساد بالإشراف على استهداف البنات الجديدات في الجامعات بالذات، واختيار من يناسب منهن لتنضم إلى الركب الخائب، ويا بؤس من وقع الاختيار عليها؛ حين تركض وراءها إحدى المسترجلات، اتصالات وملاحقات حتى بعد انتهاء الدوام المدرسي أو الجامعي، ومحاورات ساخنة تستثير فيها الغرائز المكبوتة، وتتقرب منها بشتى الطرق، وتعطيها كل ما تريده من هدايا وكروت (شحن) تعبئةً للهاتف النقال، وصولاً إلى الورود ورسائل الحب والغزل، وغيرها من الأساليب التي تعمل على اتباعها من أجل إقناع البنت بحبها، حتى تجد نفسها وقعت في المصيدة. وقد يقع أن يتعارك فتاتان على فتاة، وتبكي إحداهن مما يسمينه خيانة حين تتواصل فتاتها مع مسترجلة أخرى، إمعانا في تحقيق معنى الاسترجال.

وإني لأعتذر لكم عن مثل هذا الكلام في مثل هذا المكان، ولكن لتعذروني اسمعوا إلى قول إحداهن: “لقد أحببت هذه (البوية) من كل قلبي؛ فهي تعطيني العطف والحنان بالإضافة إلى عامل الأمان؛ لأنه مهما حدث بيننا فإنها لن تقوم بفضح ما حدث مثلما يفعل الشباب، ومن جهة أخرى فإن علاقتي معها رائعة جداً؛ فهي تريحني من كل النواحي، فسهولة دخولها إلى منزلي وغرفتي تمنحني نوعا من الراحة؛ [انتبهوا أيها الآباء والأولياء] وخصوصاً أن أهلي لن يمانعوا استمرار علاقتي معها، بعكس لو كنت قد ارتبطت بشاب وعرفوا بالأمر فستكون مصيبة، وأنا لا أشعر أنها بنت بل إنها ولد”.

وبعد هذا فواجب على كل ذي كلمة أن يقولها في هذا الشأن الخطير؛ أبا أو أما، مربيا أو مربية، أستاذا في كلية نسائية أو معلمة في ثانوية، والعلاج ينبغي أن يكون بتثقيف البنات؛ لوقايتهن، وخاصة الطالبات المستجدات في الجامعة، والبعد عن العنف والضرب في التعامل معها، فقد يزيدها إصرارا وعتوا. كما نرجو أن توضع عقوبات صارمة للمترئسات لهذه المجموعات، المبتزات لبناتنا، للحد من انتشارها.

كما أدعو ـ كل من يستطيع ـ إلى الحوار مع هؤلاء الفتيات بهدوء للتعرف على الأسباب التي أدت إلى ذلك لدى كل واحدة منهن بمفردها، و من ثم العمل على معالجتها سلوكياً و تثقيفياً و دينياً و نفسياً.  

ومن أبرز العلاجات وأهمها العمل على تفريغ طاقات الفتيات في أشياء تفيدهن، خروجاً عن الكبت والروتين اليومي الممل، مثل إقامة الأنشطة والمعارض والمحاضرات والندوات والتركيز على الموضوعات ذات الاهتمام الخاص بطبيعتهن الأنثوية، وإقامة المسابقات وبناء الصالات النسائية المغلقة التي تحتوي أدوات المناشط التي تناسبهن، وإقامة برامج تدريبية تناسب ميولهن؛ مثل تعليم وضع المكياج، والخياطة، والتدبير المنزلي، والتعامل مع زوج المستقبل، وتربية الأولاد، و فن التعامل مع الأخريات، واختيار الصديقات، والفنون التشكيلية الجميلة المباحة ونحو ذلك.

أيها الآباء .. والتعجيل بزواجهن إذا تقدم الرجل الكفؤ، ذو الدين والمروءة والأمانة والخلق الحسن، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن، و أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، و لولا البهائم لم يمطروا، و لم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا ما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم” حديث حسن الإسناد من طريق الحاكم؛ كما ذكر الألباني في الصحيحة: 106.

ولاشك بأن التربية تعني أن نقترب من أولادنا بنين وبنات، ونقرب منهم  كل مؤثرات الفضيلة، ونبعدهم عن كل مؤثرات الرذيلة، وأن ندعو الله تعالى أن يصلحهم ويهديهم وينفع بهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح ولاة أمورنا ، ووفقهم لإصلاح رعاياهم ، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم ، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، سلما لأوليائك حربا على أعدائك. واجعل بلادنا آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.

اللهم فرج عن إخواننا في في كل مكان، اللهم رحماك بإخواننا في سوريا، فقد ديست حرماتهم، وقتل رجالهم، وانتهكت أعراضهم، وماتوا وهم يوحدونك، فاللهم احقن دماءهم، وصن أعراضهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، وانشر الأمن والرخاء في بلادهم، وسائر بلاد المسلمين. اللهم اجعل ولاية مصر فيمن خافك واتبع رضاك، واجعله خيرهم عندك.

اللهم فك أسر المأسورين ، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا ، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك ، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين ، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك  ومنك يا أكرم الأكرمين.



اترك تعليقاً